قراءة وتبسيط دكتور مجدي
الجاكي
الكتابة في الحضارة الفرعونية
ظهرت في مصر حضارة من أعرق الحضارات
القديمة، إذ يرجع تاريخ تلك الحضارة إلى خمسة آلاف سنة قبل الميلاد. وكان للمصريين
تاريخ عريق في مجال الكتاب والكتب والمكتبات. وليس هذا بمستغرب في حضارة كان لها
قصب السبق في ميادين المعرفة البشرية، والتي
لا زالت بعض مكتشفاتها العلمية لغزا محيرا لعلماء العصر الحديث، فمنها
وصلنا أقدم النصوص المكتوبة، وعليها أقيمت أقدم مكتبات التاريخ.
احتاج الفراعنة إلى تدوين أفكارهم خوفا
عليها من الاندثار، فتضيع الفائدة من استمرار المعرفة، ولما كان الفكر في بداياته
الأولى مسخراً للدين والعقيدة، بدا طبيعيا أن تتخذ الكتابة صبغة مقدسة، فكانت
الكتابات الدينية تكتب باللغة الهيروغليفية، وهي تعني النقش أو الحفر المقدس، وقد
ظلت تلك اللغة لغةً لقدماء المصريين في الدولتين القديمة (3200/2240 ق. م) والوسطى
(2240/ 1740ق. م).
ويرجع أقدم نصوصها إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة
قبل الميلاد. واستمر استخدام هذه اللغة إلى الدولة الحديثة (أي حوالي ألفين قبل
الميلاد).
ويمكن تقسيم الهيروغليفية إلى فئتين:
أيدوجرامية (IDEOGRAMIC) وهي رموز تدل على رسم
الكلمات، وفونوجرامية (PHONOGRAMIC) تدل على الأصوات، باستخدام
رموز تدل على تعيين المعنى. وقد اتخذت تلك الأخيرة أساسا للأبجدية الهيروغليفية
التي بلغ عدد حروفها (700) حرفاً.
يرجع الفضل في معرفة أسرار الكتابة
الهيروغليفية إلى اكتشاف حجر رشيد، وهو حجر نقش عليه نصوص هيروغليفية وديموطيقية
ويونانية، وكان مفتاح حل لغز الكتابة الهروغليفية، سُمي بحجر رشيد لأنه اكتشف
بمدينة رشيد الواقعة على مصب فرع نهر النيل في البحر المتوسط، اكتشفه ضابط فرنسي
في 19 يوليو عام 1799م إبان الحملة الفرنسية أثناء حفره لبعض الخنادق الدفاعية،
وقد نقش عام 196 ق. م، وهذا الحجر عبارة عن مرسوم ملكي صدر في مدينة منف عام 196 ق.
م. وقد أصدره الكهان تخليداً لذكرى بطليموس الخامس، وعليه ثلاث لغات الهيروغليفية
والديموطقية (القبطية ويقصد بها اللغة الحديثة لقدماء المصريين) والإغريقية، وكان
وقت اكتشافه لغزاً لغوياً لا يُفسر منذ مئات السنين، لأن اللغات الثلاثة كانت
وقتها من اللغات الميتة، حتى جاء العالم الفرنسي جيان فرانسوا شامبليون وفسر هذه
اللغات بعد مضاهاتها بالنص اليوناني ونصوص هيروغليفية أخرى، وكانت الهيروغليفية
اللغة الدينية المقدسة متداولة في المعابد، واللغة الديموطيقية كانت لغة الكتابة
الشعبية (العامية المصرية)، واليونانية القديمة كانت لغة الحكام الإغريق، وكان قد
ترجم إلى اللغة اليونانية لكي يفهموه. وكان محتوى الكتابة تمجيدا لفرعون مصر
وإنجازاته الطيبة للكهنة وشعب مصر، وقد كتبه الكهنة ليقرأه العامة والخاصة من كبار
المصريين والطبقة الحاكمة.
وهذا الاكتشاف أدى إلى فك العالم الفرنسي
جان فرانسوا شامبليون رموز الهيروغليفية، واستطاع شامبليون فك شفرة الهيروغليفية
عام 1822م، لأن النص اليوناني عبارة عن 54 سطراً وسهل القراءة مما جعله يميز أسماء
الحكام البطالمة المكتوبة باللغة العامية المصرية، وبهذا الكشف فتح آفاق التعرف
على حضارة قدماء المصريين وفك ألغازها.
ويُقال إنه بعد هزيمة الأسطول الفرنسي
والقوات الفرنسية في مصر أمام القوات البريطانية حدث نزاع على ملكية الحجر، وحُسم
النزاع في النهاية لصالح بريطانيا، وتم نقله إلى لندن حيث ظل محفوظا في المتحف
البريطاني إلى وقتنا هذا.
ولكن ذلك لم يمنع "شامبليون"
من تصوير الحجر بدقة وتحديد معالمه ونقوشه، وانكب على دراستها، انطلاقا من فرضية
آمن بها، وهي أن اللغات الثلاث التي كتب بها الحجر، ما هي إلا نص واحد كتب باللغات
الثلاث. وبعد بحث دقيق استمر عدة سنوات صحت نظريته، فنجح في قراءة وترجمة عدة
فقرات من النصوص المكتوبة على الحجر عام (1822م). وكانت تلك بداية المحاولات التي
قام بها العلماء والآثاريون في جميع أنحاء العالم، حتى تمكنوا من حل رموز الحجر
بالكامل. وبذلك فتحوا أمام الباحثين بابا واسعا لدراسة الحضارة المصرية القديمة
بعد فك رموز لغتها الأولى المكتوبة " الهيروغليفية". والجدير بالذكر أن
نقوش الحجر كانت تتعلق بقرار للكهنة المصريين صدر عام (96) ق. م لشكر بطليموس
الرابع (أبيفانس) على إعفائهم من الضرائب.
بالإضافة إلى " الهيروغليفية"
التي كانت لغة الكهنة والمثقفين والمكاتبات الرسمية في الدولة، وجدت لغتان عُرفتا
باسم (الديموطيقية: Demotique) و(الهيراطيقية: Hieratique) وكانتا من اللغات
المكتوبة. وقد وجد العديد من النقوش ولفائف البردي المكتوبة بهذه اللغات، التي
يرجع تاريخها إلى أكثر من ألفي عام قبل الميلاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق