قراءة وتبسيط دكتور مجدي
الجاكي
الكتابة في الحضارة الفينيقية
الفينيقيون فئة من قبائل سامية عرفت
بالكنعانيين نزحت عن شبه الجزيرة العربية في أو اسط الألف الرابع قبل الميلاد،
واتجهت صوب الغرب، حيث استقرت بجوار البحر الأبيض المتوسط، وغلب اسم بلاد كنعان
على المناطق التي حلت فيها.
وفينيقيا منطقة ساحلية تمتد من شمال
"رأس شمرا" على الشاطئ السوري
حتى جبل الكرمل في الجنوب، وفي الشرق تحدها سلسلة جبال، أما في الغرب فلها
واجهة بحرية عريضة، كان لها الفضل في ازدهار هذه الحضارة.
وفي وقت لم توجد فيه معابر صناعية بين
قارات العالم (مثل قناة السويس)، بدت فينيقيا الممر الطبيعي الأوحد بين قارات
العالم القديم (آسيا، أوربا، وأفريقيا). أو بلغة التاريخ، بين حضارات ذات دور في
تاريخ هذه الدول، ويُعد ساحل البحر الأبيض المتوسط، المدى الحيوي الأوسع نشاطا
للفينيقيين. وعرف الساحل الفينيقي مدن كبيرة، أشهرها جبال (جبيل أو ببيلوس)، وصيرون،
وصور، وأغاريت (بيروت).
تنقسم اللغات السامية إلى فرعين، أحدهما
في الشمال (بلاد ما بين النهرين)، والثاني في الغرب، ومنه تفرعت اللغات العربية،
والآرامية، والكنعانية. ومن الكنعانية، اشتقت لغتان، الفينيقية والعبرية. لذا فإن
اللغة الفينيقية لغة كنعانية من الأصل السامي.
في أوائل القرن الثاني عشر قبل الميلاد،
لم تكن الحروف الأبجدية قد عُرفت بعد، دليل أن رسائل تل العمارنة التي كتبت في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، قد
خُطت بالمسمارية الأكادية. وهذه الكتابة المسمارية الأكادية نجم عنها كتابة أبجدية
مسمارية طورت في مدينة أوغاريت الفينيقية،ولكنها كانت أبجدية معقدة في دلالاتها
الصوتية، وقد قضت الحروب التي تلت هذه الفترة على معظم الآثار المكتوبة بهذه اللغة.
وهناك رأي آخر يقول بأن الفينيقيين قد
اعتمدوا على الأحرف السينائية (نسبة إلى سيناء)، المشتقة من الهيروغليفية
المتطورة، أي الكتابة الهيروغليفية التصويرية، تلك الكتابات التي عُرفت بالكتابة
الهيراطيقية، وهي نوع من الكتابات الهيروغليفية المبسطة.
ونجد أن رأياً آخر يرد الأبجدية
الفينيقية إلى الأصل المسماري، استناداً على أن اللغات السامية في بلاد ما بين النهرين،
قد انتشرت في كل أنحاء الجوار، بينما اللغة والكتابة المصرية القديمة بقيت محصورة
في وادي النيل.
وفي جميع الأحوال، سواء نقل الفينيقيون
عن الهيروغليفية بعض رموزها، أو عن الكتابة المسمارية بعض حروفها، فإنهم لم يكتفوا
في التعبير عن أفكارهم بالكتابات المعروفة لدى جيرانهم، فكلتا الكتابتين
الهيروغليفية والمسمارية، لم تفي بحاجة التجار الفينيقيين في حياتهم العملية
واليومية، لذلك تجاوزوا مرحلة الكتابة المقطعية، التي كانت من سمات اللغات
الهيروغليفية والمسمارية، إلى المرحلة الحرفية، حيث يعبر فيها الحرف عن صوت، وتوصلوا
إلى حصر كل الأصوات في عدد قليل من الحروف، فاشتملت أبجديتهم على اثنين وعشرين
حرفا ساكنا لا حركة عليه، وسميت كتابتهم بالأبجدية لأنها تبدأ بلفظة أبجد، وحرفت
الرسوم واختصرت، فتوصلوا إلى شكل نهائي يسمى بالحرف.
ولا يستغرب أن يتوصل الفينيقيون بالذات،
وهم الذين اشتهروا كشعب عملي، إلى وضع نمط جديد من الحروف أسهل وأفضل بكثير من
اللغات التي كانت مستخدمة في الحضارات التي سبقتهم أو عاصرتهم.
كان لاكتشاف الأبجدية أبعاداً جديدة
وعميقة في هذه الحضارة، فقد سهلت المعاملات التجارية بينهم. وبين شعوب المنطقة،
مما سهل على الفينيقيين مهمة تطوير تجارتهم وتدعيم مركزها الاقتصادي والحضاري في
المنطقة. وعند اقتباس العالم لأبجديتهم اتسع نطاق التبادل والمعرفة والفكر، وكان
بالتالي حافزا لانطلاقة فكرية برزت في الحضارة الإغريقية، وقد جاء في كتابات
المؤرخ اليوناني هيردوتس: أن أحد الفينيقيين
ويدعى قدموس، ابتكر حروف الهجاء، ونشرها أثناء انتقاله نحو الغرب، وذكر أن أبجدية
قدموس اقتصرت على ثمانية عشر حرفاً، أكملها من بعده بالاميروس الإغريقي إلى 22
حرفاً.
استخدم الفينيقيون لفائف البردي كوسيط
مادي للكتابة، وليس هذا بالأمر المستغرب، فقد كان ورق البردي من البضائع الرئيسة
التي تداولها التجار الفينيقيون، وقاموا بتسويقها عبر موانئهم إلى جميع أنحاء
العالم المعروف آنذاك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق