تاريخ المكتبات في أوربا في العصور
الوسطى المتأخرة:
عوامل ظهور المكتبات في أوربا في العصور
الوسطى المتأخرة:
في العصور الوسطى المتأخرة ظهرت مجموعة من العوامل السياسية
والاقتصادية والاجتماعية كان لها أثرها الواضح في تاريخ المكتبات في أوربا، حيث أن
هذه العوامل جعلت الطلب على الكتب والإقبال على استخدام المكتبات يشتد عن ذي قبل
من فئات مختلفة من أبناء المجتمع، وهذه العوامل هي:
1- انتشار التعليم بين أبناء الطبقة
الوسطى
2-حركات الإصلاح الديني والاجتماعي،
ووجود الوعي بأهمية الكتب في المكتبات
3- اختراع الطباعة، وزيادة انتاج الكتب.
4- الثورة الصناعية، ووجود فائض من الثروات الضخمة للإصلاح
الاجتماعي والثقافي.
5- تحرر النبلاء من وصايا الكنسية.
واصطبغت الحياة الثقافية عموما بصبغة علمانية. وظهرت الطبقة
المتوسطة بعد ذلك في المدن الأوربية. وزاد عدد المتعلمين من أبناء هذه الطبقة التي
كانت تشتغل أساسا بالتجارة والصناعة.
ظهور
الجامعات:
وفي تلك الأثناء أيضاً استقرت الطوائف الدينية في المدن، ولم
تظل قابعة في أبراجها العاجية، بل نزلت إلى زحمة الحياة، ترشد الناس وتعلمهم،
وبمساعدة هذه الطوائف أخذت كبرى الجامعات الأوربية طريقها إلى الوجود في نهاية
العصور الوسطى المتأخرة، ومن هذه الجامعات على سبيل المثال: جامعة أكسفورد، باريس،
بولوينا، كمبردج، براغ، وغيرها، وكان لكل جامعة من هذه الجامعات مكتبتها الخاصة
بها.
انتشار
هواة جمع الكتب:
وكانت هواية جمع الكتب قد انتشرت في أقطار أوربية كثيرة مثل
فرنسا وانجلترا وألمانيا وهولندا، وكان هواة جمع الكتب هم عادة من رجال السياسة في الدول المختلفة، أو من الأمراء والنبلاء، أو من
الفلاسفة والأدباء، بالإضافة إلى رجال الدين طبعاً.
وكان بفضل هؤلاء أو بفضل
مجموعات الكتب التي كانوا يجمعونها، أن بدأت تظهر إلى الوجود المكتبات الخاصة أو
المكتبات الأهلية، التي نمت بعد ذلك أو تحولت إلى مكتبات عامة أو مكتبات جامعية.
وهكذا فقد ظهرت في العصور الوسطى المتأخرة بأوربا نوعيات
مختلفة من المكتبات، أهمها ما يلي:
1) مكتبات الجامعات:
منذ القرن الثالث عشر الميلادي نشأت الجامعات في مختلف البلدان
الأوربية، وكان ذلك نتيجة لنشاط الرهبان الفرنسيسكان والدومينيكان. ومن أقدم هذه
الجامعات جامعة السوربون في باريس، وذلك نسبة إلى روبرت دي سوربونR. de
Sorbon وهو
أحد الرهبان، وسميت الجامعة باسمه لأنه أهدى اليها مجموعة كتبه، كانت هذه الكتب
نواة لمكتبة الجامعة.
وفي القرن الرابع عشر الميلادي بدأ إنشاء الجامعات في أقطار
أخرى مثل سويسرا وانجلترا وألمانيا. وهكذا ظهرت جامعات فينا. كامبردج، براغ،
أكسفورد.
وكانت لكل جامعة من هذه الجامعات مكتبتها الخاصة بها، والتي أنشئت
في الأغلب أو كانت تنمو من خلال مجموعات الكتب المهداة إلى الجامعة من أحد الرهبان
أو من أحد خريجي الجامعة، أو أحد الحكام ممن كانوا يهتمون بجمع الكتب.
يقول سفنددال "ولم ينس أي متخرج في الجامعة أبداً الأم
الرءوم الجامعة، إذا ما وصل فيما بعد لأعلى المناصب العلمانية أو الكنسية، فنادراً
ما كان يهمل أن يوصي لها بمبلغ من المال أو بمجموعة من الكتب".
وهكذا فعل جورج الأول الذي أهدى إلى مكتبة جامعة كامبردج
مجموعة من كتبه، وكان قد اشتراها من الأسقف جون مور John Moor.
ويبدو أن تداول الكتب في المكتبات الجامعية بدأ محدوداً في تلك
الفترة من العصور الوسطى، والدليل على ذلك أن مجموعات الكتب في مكتبة جامعة السوربون
مثلاً، كانت تنقسم إلى قسمين:
المكتبة الكبرى: وكانت تضم الكتب التي يقبل عليها القراء وكانت
هذه الكتب تثبت بسلاسل إلى المناضد، وربما كان ذلك لكثرة تداولها ولنفاستها أيضا.
المكتبة الصغرى: وكانت تضم الكتب المتعددة النسخ والكتب التي
لا يكون عليها إقبالا كبيراً من جانب المترددين على المكتبة.
وكانت المكتبة تسمح بإعارة هذه الكتب في مقابل رهن، هذا الرهن
عادة ما كان يقدر في ضوء قيمة الكتاب المثبتة في فهرس المكتبة، أما الكتب المثبتة
بسلاسل فلم يكن يسمح بإعارتها خارج المكتبة.
أما في مكتبات
الجامعات الألمانية فقد كانت في مكتبة جامعة توبتجن مثلاً تسهيلات كبيرة للطلبة في
حصولهم على الكتب من المكتبة، وكانت وظيفة أمين المكتبة في المكتبات الجامعية عملا
ثانويا. يقوم به أحد الأساتذة. ومن النادر أن كان هؤلاء يشعرون بضرورة بذل جهد
كبير في أداء مهام عملهم. وغالبا ما كان أحد الطلاب يقوم بمساعدة أمين المكتبة في
عمله، نظير مكافأة متواضعة. ومن الطبيعي أن مثل هؤلاء كانوا هم الذين يقومون بكافة
الأعمال في المكتبة.
2) مكتبات الأمراء:
هي مكتبات كانت تابعة لحكام البلاد، وكانت تتكون أساسا من
مجموعات الكتب التي حصل عليها هؤلاء من بقايا مكتبات الأديرة أو من المجموعات التي كانوا يهتمون بجمعها
لأنفسهم.
وقد شاع هذا النوع من المكتبات في ألمانيا بوجه خاص. وفي فرنسا
جمع ملوك فرنسا المخطوطات القيمة وأسسوا بها المكتبة الملكية التي ما لبثت أن
تحولت بعد الثورة الفرنسية إلى المكتبة الوطنية.
وفي صقلية كان فريدريك الثاني ملك صقلية والإمبراطور الجرماني
لاحقا (والذي حكم ما بين (1212م -1250
م ) كان يمتلك مكتبة غنية جداً بقصره في باليرمو، وكان هذا
الحاكم النموذج الذي حذا حذوه الحكام
والأمراء خلال عصر النهضة في إيطاليا. حيث كان فريدرك هذا يجمع في قصره عدداً
كبيراً من المترجمين والفلاسفة والشعراء، والعلماء. بحيث حول قصره إلى واحد من
أنشط المراكز الثقافية في أوربا. وقد نظم نفسه ترجمة الكتب العلمية من اللغة
العربية. ثم ترجمة مؤلفات الرياضيات والفلك والفلسفة للكتاب اليونانيين الكبار
وأرسطو بشكل خاص. كما أنه كان يكتب بنفسه المقالات العلمية.
إلا أن ذلك لا يعني أن المكتبات كانت دائما
موضع اهتمام النبلاء والأمراء في تلك الفترة. فقد كان هناك من الأمراء والحكام من
كان يهمل المكتبة إهمالا تاما، بل ويتركونها تحيا حياة لا نشاط فيها على الإطلاق.
كما أن الإفادة من مكتبات الأمراء ظل يتوقف دائما على مدى اهتمام
ولي أمر المكتبة بهذه المسألة أو بمقدار
وعيه بحق المواطن في ارتياد المكتبة، ومن هنا فإننا نجد أن البعض منهم كان يعطي
هذا الحق وبسخاء كبير لكافة المواطنين، على حين أن البعض الآخر لم يكن يعترف بهذا
الحق بأي شكل من الأشكال.
وجدير بالذكر أن أغلب مكتبات الأمراء هذه قد ساهمت بعد ذلك في
تأسيس المكتبات الجامعية، وخصوصا في ألمانيا وبعضها تحول إلى مكتبات عامة.
يقول سفنددال:
" أفاد حكام البلاد المختلفة أيضاً أيما إفادة من بقايا
الأديرة في تأسيس وتوسيع مكتبات بلادهم وجامعاتهم. ومن ذلك ما فعله أوتون هنري Otton
Heneri الناخب الإمبراطوري عن إمارة بلاتينات، ومن ثم نقل مكتبة دير لورش
Lorsh
إلى بلاطه في مدينة هيدلبرج، حيث ألحقت فيما بعد بمكتبة الجامعة بهذه المدينة. كذلك
زودت المكتبة الدوقية بستوتجارت بكتب أديرة فارتمبرج التي ساهمت أيضاً في تنمية
مكتبة جامعة توبتجن Tubtigen. كما نقل جانب كبير من مجموعات أديرة ساكس الواطئة إلى مكتبة
دوقية " ولفنتبل " ثم نقلت المجموعتان بعد ذلك إلى جامعة هلمستات. وساهمت
مجموعة من المكتبات السكسونية أيضاً عام 1543م في تأسيس مكتبة جامعة لبيزج. وهكذا
" وسارت الأمور علي نفس المنوال في دول الشمال؛ فمثلا
انتدب كريستيان الثالث ملك الدانمرك أحد العلماء الألمان للتجول في أنحاء البلاد
بحثا عن كتب في الكنائس والأديرة، كي يزود بها مكتبة جامعة كوبنهاجن "
كذلك ساهمت مكتبات الأمراء في تأسيس المكتبات الأهلية والتي
صارت فيما بعد مكتبات قومية أو مكتبات عامة كبيرة، مثل: مكتبة الدولة في ميونيخ،
وهي المكتبة التي أنشأها الدوق ألبرت الخامس، والمكتبة الأهلية في فيينا، والتي
ترجع بأصولها إلى الإمبراطور ما كسمليان الأول، بالإضافة إلى مكتبة باريس الأهلية.
3) المكتبات العامة:
نِشأت هذه المكتبات من المجموعات الخاصة بالحكام والأمراء،
عندما تحولت إلى مكتبات متاحة للجمهور العام وليس لفئة محددة من أبناء المجتمع،
كما أنها نشأت أيضاً من المجموعات الخاصة بهواة جمع الكتب، عندما أهدى هؤلاء كتبهم
إلى مدينتهم مثلاً، أو عندما كتبوا في وصيتهم بإتاحتها للاستخدام العام. كما أنها
نشأت أيضاً من مجموعات الكتب التي كانت موجودة بالأديرة الملغاة أو من مجموعات
الكتب التي كانت السلطات تصادرها لتصبح ملكاً عاما للشعب.
علي كل حال نشأت المكتبات
العامة في مختلف البلدان الأوربية بعد انتشار التعليم وظهور حركات الإصلاح الديني.
وبعد أن ازاداد الوعي بأهمية الكتب وضرورة الإفادة منها.
ففي ألمانيا مثلا:
كانت هناك المكتبات العامة وكانت تعرف بالمكتبات البلدية. وقد ظهرت في كل من أو جزيورج،
وفرانكفورت، ولوبك وهامبورج، ومجدبورج، ونور مبرج.
وفي فرنسا ظهرت
المكتبات العامة بعد أن صودرت المجموعات الخاصة لدي الطبقة الأرستقراطية وأعلنت
ملكيتها لعامة الشعب.
كذلك انتشرت المكتبات
العامة في مختلف البلدان الأوربية الأخرى، إلا أنه في السنوات الأولي من إنشائها
كانت المكتبة العامة في فرنسا بالذات ما تزال تضح الحواجز التي تحول دون إفادة
الجمهور العام منها.
يقول الفريد هيستيل:
" كان ارتياد
المكتبات العامة مغلفاً بالصعاب. وكان القس بغنون هو أول من وضع القواعد ليسهل
استعمال المكتبة العامة. وبهذه الطريقة كان بمقدور أعلام عصر التنوير استخدام
المكتبة الملكية. بل وأكثر من هذا، اعترفت الجمعية الوطنية في سنة 1790م بأهمية
المكتبة في الحياة العملية.
علي الرغم من كل هذا،
فإننا نحيد عن الصواب إذا خلعنا علي المكتبة صبغة علمية خالصة. فقد كانت فكرة أن
المكتبة دليل علي الفخامة والأبهة ومكان للاستعراض ما تزال مسيطرة عليها ".
4) المكتبات الوطنية (القومية)
في نهاية العصور الوسطي وبداية العصور الحديثة، وضعت البذور
الأولي للمكتبات الوطنية (القومية) في الكثير من الأقطار الأوربية، وكان الاتجاه
إلى إنشاء هذه المكتبات قد بدأ في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، وذلك نتيجة
لمجموعة العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي سبقت الإشارة إليها، والتي
أدت بدورها إلى ظهور الشعور القومي لدي مختلف الشعوب في أوربا، خصوصا بعد انتشار
المكتبات العامة وانتشار التعليم والرخاء الاقتصادي الذي نتج عن فائض الإنتاج الذي
أعقب الثورة الصناعية.
من هذه المكتبات ما يلي:
1. مكتبة
المتحف البريطاني بلندن.
2. المكتبة
الأهلية بباريس.
3. مكتبة
الكونجرس الأمريكية.
4. مكتبة
الفاتيكان بروما.
5. مكتبة
ليننجراد العامة بروسيا.
6. دار
الكتب الألمانية.
1. مكتبة
المتحف البريطاني:
يعود تاريخ إنشاء هذه المكتبة إلى منتصف القرن الثامن عشر
الميلادي عندا قرر البرلمان البريطاني في عام 1753م شراء مجموعة الكتب والمخطوطات
التي كان الطبيب البريطاني جون سلون Jhon Sloane قد تركها عند وفاته، بعد ذلك أضيفت إلى هذه
المجموعة مجموعات أخرى من الكتب المخطوطة، منها علي سبيل المثال مجموعة كوتونCotton
، ومجموعة هارلي harley ،
وهكذا كانت هذه المجموعات النواة التي تأسست منها مكتبة المتحف البريطاني بلندن.
بعد ذلك، بدأت المكتبة في النمو من خلال المجموعات التي كانت
تهدى إليها من الملوك والأمراء وهواة جمع الكتب، هذا فضلاً عن مجموعات الإيداع
القانوني لنسخة واحدة من جميع الكتب التي تطبع في انجلترا، وإن كان ذلك لم يتم
بصورة منتظمة.
يقول الفريد هيستل:
" منذ إنشاء المتحف البريطاني كانت مقتنياته من المطبوعات
والمخطوطات تنمو باطراد وعلي نطاق واسع، ويرجع الفضل في ذلك إلى الهبات والعطايا
الكبيرة التي وردت إليه من وقت لآخر، مثل مكتبة الملك جورج الثالث، كما أن
البرلمان كان يصدر وقت لآخر قوانين بإضافة المجموعات الخاصة إليه، ومع ذلك فقد كان
المتحف يفتقر إلى النظام والاستمرار".
كما تم إنشاء قاعة جديدة للمطالعة بالمتحف البريطاني تتسع مئات
من القراء، ويرجع الفضل في إنشاء هذه القاعة للإيطالي المشهور أنطونيو بانينزي أحد
المديرين اللامعين للمتحف البريطاني، وقد أنشأ بانينزي أيضاً مكتبة للمراجع، وأقام
حول المكتبة مجموعة من المخازن حفظ الكتب وذلك في المدة من عام 1854م إلى عام 1857م،
وتم تأمين هذه المخازن ضد أخطار الحريق حيث كانت الأرفف منها مصنوعة من الحديد
وليس من الخشب.
وقد زودت هذه المخازن برفوف متحركة، كما كانت رفوفها منخفضة
بحيث يمكن الوصول إلى الرفوف العليا منها دون الالتجاء إلى استخدام السلالم.
يقول الفريد هيستيل:
منذ تولي بانينزي أمانة المتحف تردد الرأي بضرورة أن يصبح
المتحف مكتبة قومية جديرة ببلد مثل إنجلترا. وأصبح من المحتم علي المتحف حفظ الكتب
الإنجليزية وأهم الكتب الأجنبية. وتبعا لذلك فقد ضمن تخصيص ميزانية سنوية كبيرة
وثابتة بدلاً من الاعتماد كله علي مصادرة المجموعات الخاصة الأمر الذي كان يخضع
للظروف وكان نتجية ذلك كله أن تضاعف المجموعات في فترة قصيرة حتى وصلت في سنة 1870
إلى مليون مجلد.
ورغم ذلك كله فقد كانت هناك آنذاك قيود تحول دون استخدام هذه
المكتبة علي النحو المطلوب. من هذه القيود مثلاً أنه لم يكن يسمح بارتياد مكتبة
المتحف البريطاني في خلال أيام معينة من الأسبوع. وكان يشترط أيضاً أن لا يقل عمر
الشخص الذي يصرح له بالدخول إلى المكتبة عن (21) عاما. وبشرط أن يكون ارتياده
للمكتبة بقصد الاطلاع فقط، وليس بغرض الاستعداد لدخول امتحان معين.
2. المكتبة
الأهلية بباريس:
أنشئت هذه المكتبة في باريس في أواخر القرن الثامن عشر، وكانت
مجموعاتها تتكون في الأساس من مجموعات الكتب التي كان نابليون بونابرت يستولي
عليها من البلاد التي غزاها في خلال حروبه، وخصوصا من مكتبات الأديرة التي تقع في
المناطق التي تقع علي الجهة اليسرى من نهر الراين، وتم تزويد المكتبة الأهلية بعد
ذلك بمجموعات كبيرة من الكتب، ثم الحصول عليها من المخازن الأوربية وذلك في عهد
فان يرات الذي تولي إدارتها لفترة كما كانت مجموعات المكتبة تنوباستمرار حتي وصلت
إلى أكثر من (300) ألف كتاب مطبوع بالإضافة إلى عدد كبير من المخطوطات النفسية ويقال أن جان موجيرار،
قام بدور كبير لنمو مجموعة هذه المكتبة، وذلك لسابق خبرته بالأديرة التي كانت تقع
بالقرب من المكتبة، مما مكنه من الحصول علي الكثير من الكتب النادرة والمخطوطات
الثمينة من هذه الأديرة، وكان ذلك غالبا عن طريق الشراء كما أنه أرسل في الفترة من
1802م – 1805م بوصفه مديراً للفنون والكتب بمنطقة الراين كثيراً من المؤلفات
الثمينة والمنتقاة بدقة من مكتبات متز Metz ،وتريف Treue،
وماينز Maenz
وغيرها من المدن.
وفي عام 1805م صدر
قانون يقضي بإكمال مجموعات المكتبة الأهلية بباريس، من مقتنيات المكتبات الأخرى في
فرنسا وذلك عن طريق تبادل النسخ المكررة بين المكتبات وبين المكتبة الأهلية، وقد
ساعد ذلك كثيراً في نمو مجموعات المكتبة، وبطبيعة الحال فقد صاحب ذلك تطور مماثل
في الأبنية الخاصة للمكتبة وفي ترتيبات حفظ الكتب بها.
وفي نفس الوقت تقريباً، وُجدت ودعمت القوانين الخاصة بالإيداع
القانوني لنسخ الكتب التي يتم نشرها في فرنسا.
ففي عام 1860م بدأ العمل في توسيع المكتبة الأهلية بباريس، وفي
عام 1868م تم افتتاح قاعة للمطالعة، وهي قاعة فخمة قام بتصممها المهندس المعروف
هنري لابروست H. Labrouste.
3. مكتبة
الكونجرس الأمريكية بواشنطن:
تعتبر هذه المكتبة أعظم مكتبات الولايات المتحدة الأمريكية،
وقد كانت في البداية مجرد مكتبة خاصة بأعضاء البرلمان الأمريكية، وبعد ذلك تطورت
حتى أصبحت مكتبة قومية للولايات المتحدة الأمريكية، وتعتبر الآن أعظم مكتبات
العالم، سواء من حيث ضخامة مجموعاتها، أو من حيث ما تقدمه من خدمات، وما يستخدم من
وسائل وتقنيات لحفظ وتنظيم واسترجاع أوعية المعلومات.
أنشئت هذه المكتبة عام 1800م، وكان نموها - فيما يري الفريد
هيستيل "بطيئاً طوال القرن الأول لإنشائها"، ولقد احتضن توماس حيفرسون -
ثالث رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية - هذه المكتبة منذ البداية، وكانت مشترياتها خلال العقد الأول
من إنشائها بناء علي توصياته، إلا أن هذه المكتبة قد تعرضت لكارثة في عام 1814م،
حيث تم إحراقها والقضاء عليها نهائياً على إثر غزو الجيش البريطاني لواشنطن، ومع
ذلك فقد بذل توماس جيفرسون جهوداً كبيرة لإحياء المكتبة، وقام بالفعل ببيع مجموعة
كتبه الخاصة حوالي 7000 كتاباً لتكون نواة للمكتبة الجديدة.
إلا أن المكتبة تعرضت للحريق بعد ذلك أكثر من مرة في عامي 1825م،
1851م، مما أدى إلى ضياع جانب كبير من مقتنياتها، ومع ذلك أيضا فقد استمر العمل في
تنمية المكتبة وتزويدها بالأوعية من مصادر مختلفة، لدرجة أن مجموعاتها قد بلغت في عام 1939م ستة
ملايين مجلداً.
والواقع أن النمو الهائل في هذه المكتبة قد جعلها بالفعل أعظم
مكتبات العالم في العصر الحديث.
4. مكتبة الفاتيكان بروما:
تعتبر هذه المكتبة إحدى المكتبات الكبرى في العالم المعاصر،
وتعبر إحدى المكتبات الكبرى الخمس الموجودة في إيطاليا، والتي يطلق علي كل منها
لقب قومية، وكانت هذه المكتبة في الأصل مكتبة للباباوات، وكان قد مرت بفترة من
السكون النسبي في نهاية القرن التاسع عشر، إلا أنها بعد ذلك ومن خلال جهود مجموعة
من المديرين النشطين لهذه المكتبة، استطاعت أن تنمو إلى أن أصبحت أكبر المكتبات
الإيطالية.
وكانت مكتبة الفاتيكان قد فتحت أبوابها للقراء في عهد ليو
الثالث عشر Leo XIII، وأنشئت بها قاعة
للمطالعة، وتم تزويدها بمخازن جديدة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الكتب التي
كانت ترد إليها.
وفي عام 1927م ثم عمل إصلاحات كبيرة علي المبنى، وصاحب هذا إصلاحات
أخرى كبيرة في الجوانب الإدارية بالمكتبة، وفي نفس الفترة تقريباً تم إرسال مجموعة
الموظفين بالولايات المتحدة الأمريكية لدراسة علم المكتبات، وبعد عودتهم إلى روما
تم وضع نظام جديد لفهرسة مجموعات المكتبة قريب الشبة بالنظام الأمريكي، ووضع أيضاً
نظاماً لتصنيف الكتب بها.
هذا، وقد صدر عن هذه المكتبة دليلاً بقواعد الفهرسة بني على
أساس من قواعد الكونجرس الأمريكية، وكان لهذا الدليل الذي تعددت طبعاته أكبر الأثر
علي المكتبات في أوربا.
والواقع أن مكتبة الفاتيكان تتميز بمجموعة قيمة من المخطوطات
تم فهرستها، كما تم إعداد الكشافات الخاصة بها، وربما كان ذلك من أهم العوامل التي
ساعدت علي اكتساب هذه المكتبة أهميتها بين المكتبات العالمية، وازدياد تأثيرها ليس
فقط في المكتبات الأوربية فقط، بل وفي مكتبات أخرى خارج القارة الأوربية.
5. مكتبة ليننجراد العامة بروسيا:
تعتبر المكتبة القومية لروسيا أقدم المكتبات القومية على مستوى
العالم، حيث بدأت تقريباً مع الثورة الروسية في العقد الثاني في القرن التاسع عشر
الميلادي. وكانت قد تكونت في الأساس واعتمدت في نمو مقتنياتها على مجموعات عدد من
المكتبات الخاصة التي تم الاستيلاء عليها في أعقاب الثورة الروسية.
وتقوم هذه المكتبة بنشاط واسع في مجال الإعلام الببلوجرافي
بمقتنياتها؛ حيث تقوم بطبع البطاقات الخاصة بها، وتقوم بتبادل هذه البطاقات مع
المكتبات العالمية الأخرى مثل مكتبة الفاتيكان.
6. دار الكتب الألمانية:
أنشئت هذه المكتبة في أوائل القرن التاسع عشر عام 1913م، وقد
تأخر إنشاؤها بسبب مشكلة الإيداع القانوني للمطبوعات، وذلك علي الرغم من أن ناشرين
ألمان كانوا قد تقدموا بالفعل بإهداء كتب كثيرة لتكون نواة لهذه المكتبة، من هؤلاء
علي سبيل المثال الناشر هان Hahn من هانوفر، الذي تبرع إلى برلمان فرانكفورت
بكل ما في مخزنه من مطبوعات عام 1848م. وحذا حذوه أربعون آخرون من الناشرين
الألمان، وتم بالفعل تعيين موظف لرعاية هذه المجموعات بوظيفة أمين مكتبة، إلا أنه
بعد عدة سنوات نقلت هذه المجموعات إلى المتحف الألماني في نورمبرج، وصرف النظر عن
فكرة هان في إنشاء المكتبة القومية، بل وماتت هذه الفكرة.
وعندما تكونت الإمبراطورية الألمانية، احتضن الفكرة الناشر
بروكهاوس وقام عدد من المكتبيين الألمان آنذاك بتقدم مذكرة بشأن إنشاء المكتبة
الوطنية إلى وزارة التربية والتعليم الألمانية.
وهكذا كان من بين الخطط المقترحة في تلك الفترة تحويل مكتبة
برلين الملكية إلى مكتبة قومية كبرى، إلا أن الظروف السياسية لم تكن مواتية آنذاك
لتنفيذ الفكرة.
ورغم كل هذه المعوقات، إلا أن الفكرة قد بعثت إلى الحياة من
جديد علي يد ألتوف الذي رأى أن إتمام هذه المشروع يعتبر تتويجاً لجهوده في النهوض
بالمكتبات الألمانية.
وفي سنة 1912م وقع الاتفاق بالفعل بين ولاية سكسونيا ومدينة لينبرج
واتحاد الناشرين لإنشاء دار الكتب الألمانية.
وقد كان مهمة هذه المكتبة منذ إنشائها هي جمع كل مواد نقل
المعرفة التي تصدر بالألمانية وغيرها من اللغات داخل ألمانيا، وحفظها وتيسير
استعمالها، على أن تسجل هذه تبعا لأسس علمية، وكانت المكتبة لا تقتصر علي جمع
الكتب وحفظها وحسب، بل إنها كانت تقدم أيضاً خدمات متنوعة، مثل خدمات إطلاع وخدمات
إعارة للكتب التي يتعذر الحصول عليها من مكتبات ألمانية أخرى، بالإضافة إلى خدمة
المراجع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق