الثلاثاء، 28 أبريل 2015

المكتبات في الحضارة البابلية
ينتمي الشعب البابلي إلى أصول سامية، مهاجرين من بلاد أمورو Amorites، واستقر النازحون الجدد في بابل Babylon، وتعني "بيت الإله، واتخذوها عاصمة لهم. ترجع حضارتهم إلى منتصف الألف الثالثة ق. م، حيث أخذ الساميون والأكاديون ينتشرون في بلاد ما بين النهرين، وجاء الأموريون ليدمروا مقر الدولة السومرية في "أور Ur/Owr ويخضعوا أراضيها لحكمهم. وعلى أنقاض الدولة السومرية نشأت الدولة البابلية القوية، وتوحد سلطانهم في عهد حمورابي Hammorabi (1710-1670ق. م) ودامت حضارتهم إلى حوالي 600 ق. م، مما يعني أنها استمرت حوالي الألفي عام.
وطور البابليون كل ما خلفه السومريون من تراث فكري وثقافي في المجالات الروحية والمادية، وأخذوا عنهم الكتابة المسمارية. ومن البديهي أن يستخدم البابليون نفس الوسائط الكتابية التي كانت تستخدم في الحضارة السومرية، فكانت الألواح الطينية مادتهم الكتابية الأولى، وأدوات النقش والحفر كانت ذاتها المستخدمة في هذه الحضارة.
ولأغراض دراسة وتحقيق الموروث الفكري الثقافي والعلمي للحضارة السومرية - عمد البابليون إلى وضع العديد من القواميس والمراجع اللغوية، ليترجموا النصوص الأدبية السومرية ويتابعوا تطوير المعارف التي بدأتها الحضارة السومرية، وقد بلغوا في ذلك شأوا عظيما، وتحول الكثير من الكتابات السومرية إلى جزء لا يتجزأ من الأدب البابلي. ومثال ذلك "ملحمة جلجاميش" السومرية.
مجالات الكتابات في الحضارة البابلية:
عشق البابليون الكتابة وتوصلوا إلى تدوين إنتاج فكري ضخم، يقدره بعض الباحثين بما يتجاوز الـ 600 ألف لوح طيني، تتضمن مختلف الموضوعات الأدبية، والعلمية، والديانات، بجانب ما خلفوه من سجلات تختص بشئون الدولة والأعمال الحكومية، والمعاملات التجارية، كما قاموا في المجال العلمي، بتعديلات هامة في علوم الفلك، حيث قاموا بتعديل التقويم القمري الذي وضعه السومريون وردوه إلى الحساب الشمسي الذي كان متبعا من قبل.
إلا أن أهم مجالاتهم الكتابية على الإطلاق، كانت في مجال التشريع والقانون، وتُعد تشريعات حمورابي Codes of Hammurabi من أهم الكتابات في الحضارة البابلية. وتعزى هذه التشريعات إلى الملك حمورابي Hammurabi: ملك بابل (حوالي 1783-1740ق. م)، الذي بدأ تشريعاته التي عُرفت في التاريخ باسم "تشريعات حمورابي"، منذ العام الثامن من حكمه، وتناولت أمور القضاء والأمن وحقوق المحاربين ومسئولياتهم، وعقود الزراعة، وشروط القروض، والأحوال الشخصية بما تتضمنه من الزواج والطلاق والمواريث، وتحدثت عن القصاص والتعويضات وأجور أصحاب المهن ومسئولياتهم. والألواح المتضمنة هذه التشريعات محفوظة الآن في متحف اللوفر بباريس.
استخدم البابليون طريقة النسخ على الألواح الطينية، وكانوا يقومون بذلك في ورش خاصة، ثم يحفظونها في مراكز للوثائق والمكتبات التي كانت منتشرة في المعابد وقصور الحكام.
المكتبات في الحضارة البابلية:
تم اكتشاف العديد من المكتبات  التي تحوي الواحدة منها عشرات الألوف من الألواح الطينية في كبريات مدن الحضارة البابلية. وقد اكتشف في ضواحي "نيبور: "NIPPUR الواقعة جنوبي بغداد، فيما بين سنتي 1890 و1900م، أعداد كبيرة من الألواح الطينية محفوظة في حجرات خاصة ملحقة بالمعبد، واستدل الآثاريون من ذلك على أن تلك الألواح كانت جزءاً من مقتنيات مكتبة ضخمة، أو مركزاً عظيما للوثائق، يرجع تاريخها إلى النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد.
كما اكتشفت مكتبات في مدن أخرى مثل كيش Kish، وكوتا Kuta، وسيبارSippar.
 وتعد آثار تل الحريري Tell al Hasriri الواقع في مدينة ماري Mari السورية، على ضفاف نهر الفرات من أهم الاكتشافات المكتبية في الحضارة البابلية، حيث عثر في هذا الموقع الأثري على سجلات ملكية ولوحات حفرت عليها حروف مسمارية تتضمن معلومات جغرافية وتاريخية، بجانب الأعمال الأدبية. ويدعى المؤرخون أن هذه المقتنيات تؤلف مكتبة تنافس مكتبة نينوي في الحضارة الأشورية، ومكتبة تللو في الحضارة السومرية.
وقد اكتشفت أيضاً في موقع أثري بمدينة بابل القديمة أعدد كبيرة من الألواح الطينية المحتوية على سجلات حكومية وإدارية، قدرت بعدة آلاف من الألواح، تتناول شتى المعلومات عن النظم الضريبية والسجلات المدنية، وثائق المحاكم، وغيرها من الوثائق الرسمية للدولة.
أما مقتنيات مكتبة بورسيبا Borsippa، تعد من المكتشفات المكتبية في هذه الحضارة، وقد استقى العلماء الكثير من معارفهم ومعلوماتهم عن الحضارة البابلية عن طريق دراستهم وتفحصهم لمقتنيات هذه المكتبة. والجدير بالذكر، أنه تم في وقت لاحق استنساخ هذه الألواح في عهد الملك الأشوري آشور بانيبال، وحفظت الألواح المستنسخة في مكتبة الملك الآشوري في نينوى (مكتبة آشور بانيبال).
 وتدل نتائج الدراسات حول هذه المكتبات في الحضارة البابلية بأنها كانت منظمة ومرتبة بطريقة منطقية بحيث يسهل استخدامها والاستفادة منها.
وأهم خصائص هذه الحضارة هو إنتاجها الفكري المتميز في مجال التشريعات والقوانين، والتي تمثلت في "تشريعات حمورابي القانونية، والتي احتوت على 282 مادة تشريعية، اقتبست من الشرائع والتقاليد التي كانت سائدة في هذا العصر.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق