(2) تطور مواد الكتابة
1) مواد الكتابة في العصور القديمة
استخدام الإنسان مواد من الطبيعة أهمها ما يلي:
1- لحاء الشجر
ربما كان لحاء الشجر هو أول مادة استعملت للكتابة. ومن المعروف أن الكلمة اليونانية ببلوس Byblos والكلمة اللاتينية Liber وكلتاهما بمعنى كتاب، كانتا في الأصل تطلق على لحاء الشجر. وهذا يعنى أن هذه المادة استخدمها اليونانيون القدماء كمادة للكتابة.
وتشير المصادر إلى أن الهنود كانوا في العصور القديمة يستخدمون أيضاً لحاء أشجار النخيل، وخاصة في جنوب شبه القارة الهندية. ولكن لحاء الشجر لم يكن ليصمد كثيراً.
2- الأحجار:
لقد كان اليونانيون القدماء وكذا الرومانيون وغيرهم من الشعوب التي خضعت لهم يكتبون على الأحجار؛ حيث كانوا يستخدمونها كشواهد للقبور أو يضعونها على النصب التذكارية في الميادين العامة. ومن قبلهم استخدم المصريون القدماء الحجر كمادة للكتابة؛ وذلك عندما سجلوا عليه كتاباتهم سواء كانت هذه في داخل القبور أو في المعابد أو في القصور الحكام.
3- أعواد البامبو:
استخدمت في الصين شرائط طويلة مصنوعة من أعواد البامبو. وذلك قبل أن يتوصل الصينيون إلى صناعة الورق. وكانت شرائط البامبو هذه تستخدم لكتابة النصوص الطويلة. وكانت أعواد البامبو تقسم إلى شرائط طويلة، بحيث كان يمكن أن يكتب عليها عموديا سطر أو سطران أو حتى عدة سطور. وفي رأس الشريط يوجد ثقب بحيث كان يمكن أن تجمع الشرائط معا، لتكون بمثابة الكتاب.
4- سعف النخيل:
كان سعف النخيل يستخدم في الهند وفى الجزيرة العربية كمادة للكتابة وجرت العادة أن تقطع سعفة النخلة على طول جذعها. ثم تقسم إلى قطع بأبعاد مختلفة (في حدود 8 سم عرضاً، 30 سم طولاً)وبعد ذلك كانت تُغلى بالماء ثم يجفف ثم تصقل في النهاية. ويكتب عليها من الوجهين. وكان البعض يلجأ إلى جميع عدة صفحات بين لوحين من الخشب فتكون على هيئة الكتاب.
5- الحرير:
استخدام الحرير كمادة للكتابة بواسطة شعوب كثيرة؛ فقد استخدمه الصينيون القدماء فكتبوا عليه كتباتهم. بل إنهم استخدموه أيضاً في صنع نوع من الورق وذلك قبل أن يتوصلوا إلى طريقة صناعة الورق من الحبال والشباك القديمة والخرق البالية. والواقع أن اتجاه الصينيين إلى استخدام الحرير كمادة للكتابة جاء بعد أن تم حرق الألواح الخشبية، وذلك تنفيذا للأمر الذي أصدره تسن شيهو انجتي إمبراطور الصين آنذاك. والذي كان يقضى بحرق جميع الألواح نظراً لأن الكتابة والمؤلفين كانوا قد تجرأوا عليه في كتاباتهم وصاروا ينتقدون نشاطه السياسي.
كان الصينيون يكتبون على الحرير بأقلام من الغاب، أو بفرشاة من وبر الجمل، وامتاز الحرير عن البردي بعدة مزايا، من أهمها المرونة، وبريق سطحه. إلا أنه كان أغلي ثمناً من البردي، مما جعل الصينيون يجدون في البحث عن مادة جديدة، ووجدوا ضالتهم في الورق الذي صنعوه في بداية القرن الثاني للميلاد. وربما استخدام الرومانيون القدماء الحرير أيضاً كمادة للكتابة، بدليل أن بليني Pliny (مؤرخ روماني عاش في القرن الأول الميلادي) يتحدث في كتابة: "التاريخ الطبيعي"عن كتب مكتوبة على النسيج.
6- الفخار:
استخدم اليونانيون قطع الفخار المحطمة كمادة للكتابة. وكان يسمونها استراكون Ostrakoa وكانوا يكتبون على سطحها الخارجي. وقد تم الكشف عن أكثر من ألف قطعة من هذا النوع، إلا أن هذه القطع الفخارية لم تكن مناسبة لكتابة نصوص طويلة بسبب مساحتها المحدودة. وقد شاع استخدام الفخار كمادة للكتابة عند الأقباط في مصر. فقد ظلوا يستخدمونه حتى قدوم العرب لفتح مصر.
وكان القبط يكتبون على القطع الفخارية كتاباتهم المختلفة، ومقاطع من الكتاب المقدس، بالإضافة إلى بعض النصوص الشعائرية.
7-الألواح الطينية:
تعتبر الألواح الطينية من أقدم مواد الكتابة التي عرفها الإنسان. وكانت هذه الألواح من الصلصال. وكانت الكتابة تتم على هذه الألواح وهى ما تزال لينة. وبعد ذلك تترك لكي تجف في الشمس. وإذا كانت الكتابات على الألواح ذات أهمية كبيرة: كأن تكون اتفاقيات تجارية، أو وثائق للدولة أو أعمال أدبية مثلا، فإن الألواح كانت توضع بعد ذلك في أفران خاصة. حيث يتم حرقها لكي تصبح أكثر صلابة ولا تتعرض للتشوه. ثم تنتقل بعد ذلك إلى المكتبات أو مراكز المحفوظات، حيث يتم حفظها هناك.
وقد شاع استخدام الألواح الطينية كمادة للكتابة في بلاد ما بين النهرين. وكان الصلصال اللازم لصناعة هذه الألواح يؤخذ من ضفاف نهرى دجلة والفرات. ويتم تصفيته من الشوائب. ثم تصنع منه الألواح بأحجام مختلفة: حيث كان حجم اللوح يتراوح ما بين 5سم × 6سم و25 سم × 30سم، وذلك في وقت يعود إلى النصف الثاني من الألف الخامسة قبل الميلاد. حيث استخدمها السومريون، وكانوا يكتبون عليها بواسطة أفلام رفيعة من الغاب أو من الخشب. وذلك قبل أن يجف اللوح.
وورث البابليون عن السوماريين استخدام الألواح الطينية، بل وتفوقوا في استخدامها، حتى ليقال أن ما تم كشفه من الألواح الطينية البابلية، يتجاوز (600) ألف لوح، في مختلف موضوعات المعرفة البشرية، وفى جوانب متعددة من النشاط الإنساني.
8- الألواح الخشبية:
استخدمت الألواح الخشبية كمادة للكتابة في عصور قديمة جداً فيحدثنا بليني Pliny (مؤرخ روماني عاش في القرن الأول الميلادي) أن هذه الألواح كانت تستعمل في بلاد اليونان قبل عصر هو مر. كما يذكر لنا المؤرخ اليوناني بلونارخ أن قوانين سولول المشرع اليوناني والتي ترجع إلى القرن السادس قبل الميلاد كانت مكتوبة على الألواح الخشبية. وتذكر المصادر أن الصينيين استخدموا ألواح الخشب للكتابة منذ منتصف الألف الثانية قبل الميلاد. وأنهم كانوا يكتبون عليها بطريقة الحفر على اللوح بآلة مدببة. وبعد ذلك استخدم قلم الغاب والحبر في الكتابة. وتذكر المصادر أيضاً أن المصريين القدماء استخدموا الألواح الخشبية لكتابة النصوص القصيرة، وعلى نطاق ضيق للغاية. كما تذكر المصادر أيضاً أن اليونانيين القدماء كانوا يستعملون ألواحاً صغيرة من الخشب، مغطاة أو غير مغطاة بالشمع، وكانوا يكتبون عليها عبارة موجزة. وكان التلاميذ يستخدمونها في تعليمهم الكتابة.
وتتميز الألواح الخشبية عن الألواح الطينية بمجموعة من المزايا من أهمها ما يلي:
1- أخف وزناً.
2- أكبر حجماً. ومن ثم فإنها كانت تتسع لمساحة من النص أكبر مما تستوعبه الألواح الطينية.
3- أن الكتابة على اللوح الخشبي غالباً ما كان يتم محوها من وقت آخر. وبذلك يمكن أن يستعمل اللوح من جديد لكتابات أخرى.
4- أن الألواح الخشبية كانت تربط عند اللزوم، فيتشكل بذلك ما يشبه الكراسة Codex، ولعل هذا هو أول أشكال الكتاب.
5- أقل عرضة للتلف بسبب الرطوبة وذلك بعكس الألواح الطينية التي كانت تمتص الرطوبة فتتحول إلى طين مما سبب الكثير من المتاعب للعلماء أثناء تنقيبهم عن هذه الألواح فيما بعد.
9- البردي:
استخدم المصريون القدماء ورق البردي كمادة للكتابة، في وقت يعود إلى الأسرة الأولى (حوالي 3100ق. م) بدليل أن أحد حروف الكتابة الهيروغليفية (أقدم كتابات المصرين القدماء) يمثل شكل لفافة بردية. وإن كان تاريخ أقدم بردية معروفة يعود إلى عام 2400 بل الميلاد. وكان هذا الورق يصنع من نبات مائي مما كان ينمو بكثرة في المستنقعات بدلتا النيل. وقد أطلق عليه اليونانيون القدماء اسم بابيروس Papyros. كان ورق البردي يصنع من ساق هذا النبات الذي يصل ارتفاعه أحياناً إلى عدة أمتار وذلك بشق الساق إلى شرائح رقيقة للغاية. وكانت هذه الشرائح توضع بعضها فوق بعض من طبقتين ثم تغمس الطبقتان بعد ذلك فى ماء النيل في وقت الفيضان، لأنه، وعلى حد قول بليني يحتوى على مادة لزجة، تساعد على التصاق الشرائح ببعضها البعض. ثم تطرق الشرائح كلها بمطرقة إلى أن تلتصق. ويرجح سفنددال أن العصارة الصمغية الكائنة في الشرائح، هي التي كانت تساعد على الالتصاق. أو أن المصريين القدماء كانوا يستعملون نوعا خاصا من الصمغ، وكانت الأوراق تجفف بعد ذلك في الشمس. ثم تصقل حتى يصير سطحها لامعا براقا. وجدير بالذكر أن هذه القطع كانت تتسم بالليونة والمرونة وأنها قد ظلت كذلك لقرون عديدة.
كانت الكتابة على ورق البردي على شكل أعمدة، وعلى وجه واحد من الورقة، وهو الوجه الذي صفت فيه الشرائح أفقية RectO، أما الوجه الآخر والذي صفت فيه الشرائح رأسية، الذي كان يعرف بـ ظاهر الورقة Verso، فإنه نادراً ما كان يستخدم للكتابة.
وكان عرض القطعة من ورق البردي يصل أحياناً إلى 35سم. أما طول القطعة الواحدة، فكان يبلغ 45 سم . كما أن عدداً من القطع كان يلصق ببعضه البعض ليكون لفافة Roll. ويذكر المؤرخ الروماني بليني Pliny أن اللفافة الواحدة من ورق البردي لم تكن لتزيد عن (20) قطعة. ويبد وأنه كان يقصد بذلك اللفائف التي كانت تعرض للبيع. فقد كانت هناك لفائف من البردي المصري القديم، يبلغ طول الواحدة منها أكثر من مائة قدم. وخير مثال على ذلك البردية المعروفة: بردية هاريس Harris، والتي ترجع إلى الأسرة العشرين، فإن طول هذه البردية يبلغ (133) قدما. وهي محفوظة الآن في المتحف البريطاني بلندن. وأغلب الظن أن البرديات الطويلة هي التي كانت تستخدم في كتب الموتى.
تعددت مقاسات الأفرخ للفائف البردية، وتنوعت استخدامات هذه الأفرخ واللفائف أيضاً. ولذلك فإننا نجد أسماء مختلفة أطلقت على هذه اللفائف، وعلى النحو التالي:
1- الإمبراطوري: وكان يطلق على الورق الذي كان يستخدم في كتابة الخطابات الخاصة بالطبقة الراقية من الرومان. وهو أجود أنواع البردي.
2- ورق ليفيا: وذلك نسبة على ليفيا Livia، زوجة الإمبراطور الروماني أغسطس.
3- لفائف أغسطس: وقد جاء هذا الاسم نسبة إلى الإمبراطور الروماني أغسطس.
4- الكهنوتي: وقد أطلق هذا الاسم على الورق الذي كان يستخدم للأغراض الدينية. ولم يكن طول الفرخ الواحد منه يزيد على 27 سم .
وجدير بالذكر أن أجود أنواع البردي، ما كانت ألوانه فاتحة، مائلة على الاصفرار، أو بيضاء تقريباً، أما الأصناف الدنيا، فكانت تختلف في اسمرارها قلة وكثرة.
ولقد بلغت صناعة ورق البردي عظمتها ـ وفيما يقول سفنددال ـ في الألف الثالثة قبل الميلاد، وظل صناعة مصرية. وظل المصريون يحتكرون هذه الصناعة. حتى يقال أنهم كانوا يصنعون أختاما خاصة على كل فرخ من ورق البردي، للدلالة على أنه صناعة مصرية. وكانوا يصدرون كميات كبيرة منه إلى أوربا. وأن البطالمة كانوا يتقاضون ضريبة على الصادرات من البردي.
وتذكر المصادر أن الفينيقيين لعبوا دوراً مهما كتجار لورق البردي وأنه منذ القرن الحادي عشر قبل الميلاد، كان هؤلاء يشترون ورق البردي من مصر، ثم يوزعونه لبقية الشعوب ولليونانيين أيضاً، وأن ورق البردي الذي يشتريه اليونانيون كان يأتي إليهم غالباً عبر مدينة ببلوس. مما جعل اليونانيين يطلقون هذا الاسم: ببلوس أولا على الورق، ثم بعد ذلك على الكتاب نفسه، وذلك نسبة إلى هذه المدينة الفينيقية القديمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق