الورق كمادة للكتابة عند العرب
قراءة وتبسيط دكتور مجدي الجاكي
في العصر العباسي بدأ يظهر الورق كمنافس
جديد للبردي، وبدأت صناعة الورق تدخل إلى الأقطار العربية علي اثر انتصار الجيوش
العربية بقيادة حاكم سمرقند علي أخشيد فرغان الذي كان يناصره ملك الصين عام 133
هجريه أي القرن الثاني الهجري.
فقد عاد المسلمون إلى سمرقند بما يقارب من
20 ألف أسيراً كان من بينهم صينيون يعرفون صناعة الورق ,علي أكتاف هؤلاء الأسرى قامت
صناعة الورق في سمرقند، ثم انتقلت إلى بقية العالم العربي.
فقد أقام الفضل أبن يحي البرمكي وزير
هارون الرشيد مصنعاً للورق في بغداد، ومن بعده قام أخوه جعفر البرمكي باستخدام
الورق بدلاً من الرقوق في الدواوين.
ويبدو أن صناعة الورق قد ظلت منحصرة في
العراق لفترة من الزمن لأنها عاصمة الخلافة العباسية وبلاد ما وراء النهر حتى
أوائل القرن الرابع الهجري.
ولكن تلك الصناعة ما لبثت أن انتقلت من
العراق إلى الشام وفلسطين منذ منتصف القرن الرابع الهجري، إلا أن كواغيد سمرقند
ظلت محتفظة بجودتها وتفوقت علي غيرها مما كان يصنع في الشام أو دمشق أو فلسطين.
غير
أن صناعة الورق بالشام ما لبثت أن تفوقت علي مر الزمن حتى أصبحت تنافس كواغيد
سمرقند.
من الشام انتقلت تلك الصناعة إلى المغرب
العربي ومنه عبرت البحر إلى الأندلس وأسبانيا حيث يصنع الورق الجيد كما ذكر ياقوت
الحموي في كتابة معجم البلدان.
أما بالنسبة لمصر فلم تدخلها صناعة الورق إلا متأخراً لأنه كان
لديه ورق البردي والقباطي الذين وجدوا فيه عوضاً عن الورق الذي لم يعرفوه في
القرون الأولي للهجرة إلا مستورداً أو علي نطاق ضيق الحدود، ظل الأمر كذلك حتى
القرن الخامس الهجري.
إلأ أن ظهور الورق في العالم العربي
واستخدامه في الكتابة ثم صناعته في بغداد كل ذلك لم يؤدي إلى اختفاء البردي وغيره
من مواد الكتابة بين يوم وليلة، وذلك علي الرغم من تفوق الورق علي غيره من مواد
الكتابة إلا أنه لم يكن تفوقاً حاسماً حتى القرن الثالث الهجري، فقد كانت الرقوق
موجودة بجانب الورق وكان هناك من يفضلها عن الورق وكانت مستخدمة في الأشياء
الحيوية كالمواثيق والعهود.
أما في المغرب العربي لم يكن نبات البردي
ينبت في هذه المنطقة، ولذا فقد ظل الرق هو المادة الغالبة في الاستعمال حتى بعد
القرن الرابع الهجري.
وبظهور صناعة الورق في آفاق الحياة
العربية يدخل المخطوط العربي مرحلة جديدة من مراحل نموه وتطوره وهي مرحلة خصبة
تمتاز بكثرة الإنتاج ووفرته وسهولة تداوله.
وعلى الرغم من أن العرب قد تعلموا صناعة
الورق عن طريق الصين، إلا أنهم قد طوروها وعملوا علي تنميتها وصاروا في ذلك بخطوات
واسعة، كما كان للعرب فضلاُ في الحفاظ علي التراث الإنساني وخاصة الحضارة
الإغريقية واليونانية والآثار العلمية والفلسفية. وكما كانت اللغة العربية هي
الوعاء الذي انتقلت أليه تلك الثقافات والحضارات القديمة وعبرت من خلالها إلى دول
الغرب.
كما كان للعرب أيضاً الفضل في نقل صناعة
الورق إلى أوربا منذ القرن الثاني عشر ميلادياً، فقد نقل العرب هذه الصناعة إلى الأندلس
وصقلية ومنها إلى باقي الدول مثل فرنسا وإنجلترا.
ففي
البداية كانت صقلية تستورد الورق من العرب، ثم استوردته جنوه عام 115 ميلادياً.
وفي نفس هذا التاريخ وصلت تلك الصناعة إلى أسبانيا ثم إلى إيطاليا أما الفترة ما
بين 1268 ميلادية وحتى عام 1276 ميلادياً
فكان انتشار صناعة الورق قد امتد في أوربا وكان ذلك بتأثير المسلمين في صقلية
وأخيراً انتقلت تلك الصناعة إلى فرنسا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق