أوهام المكتبات
الإلكترونية
يضاف إلى ذلك أن هناك بعض الأوهام يتخيلها بعض الناس حول
المكتبات الإلكترونية، فقد أدى ظهور المكتبات الرقمية إلى انبهار العديد من
الشرائح الاجتماعية بها بما في ذلك مختصو المعلومات أنفسهم. وعليه، بات الناس
ينسجون أساطير وأوهامًا حول مزايا هذه المؤسسات السحرية. و يبدو أن هذه الأساطير
جاءت نتيجة لنظرة شديدة المغالاة بالنسبة للمستقبل، ولعدم الإلمام بكل معطيات
الواقع. و مهما يكن من أمر فإن هذه الأساطير تتضمن بعض الحقائق.
تمثل الإنترنت انتصارًا لحضارة الكتابة على طرق الاتصال
الأخرى، وذلك بالرغم من أن شبكة الويب بــــاتت تتيـــح المعلـــومات في شكــــل
وسائط متعددة (Multimedia)،
منها النص والصورة والصوت. فالإنترنت تبقى ملائمة لتبادل النصوص أكثر منها لتبادل
ملفات الصور والتسجيلات الصوتية التي تتطلب طاقة كبيرة لنقل كم كبير من البيانات.
وهكذا تأتي الإنترنت لتعيد إحياء تقاليد الاتصال المكتوب الذي كاد يندثر بسبب
سيادة الاتصال الشفهي (عن طريق الهاتف والإذاعة...) والمرئي (عن طريق التلفزيون،
والفيديو...). فالاتصال الذي بات سائدًا يتم بواسطة البريد الإلكتــرونــي. و
عليـــه، أصبحـــت لـــوحة المفــاتيــح (Keyboard) والفأرة (Mouse)
تمثلان أدوات الكتابة الجديدة، فمعرفة استخدام كل منهما يعتبر شرطًا أساسيًا لرفع
الأمية المعلوماتية.
وعلى صعيد آخر، فإن الإنترنت التي تعتبر شبكة الشبكات يمكن
أن تساعد المكتبات على تحقيق أحد برامجها الدولية، أو بالأحرى أحد طموحاتها المهمة
ألا وهو ضمان الإتاحـة العالميـة للمطبـوعات Universal Availability
of Publications.
كما أن حلم مختصي المعلومات في التوصل إلى تأليف المعرفة (Knowledge
synthesis ) يكاد يتحقق بفضل الروابط التي يتضمنها النص المترابط (hypertext).
ويمكن لنفس الأدوات أن تساعـــد علــــى تحقيــــق حلــــم المكتبة
الموسوعـــيـــــة (Encyclopedia Library). وبناء عليه يمكن اعتبار الإنترنت بمثابة
مكتبة افتراضية بسبب أبعادها العالمية وقدرتها على عرض معلومات متأنية من جميع
الحواسيب المرتبطة ببعضها البعض بطريقة متجانسة. غير أن معطيات الواقع لا تميل إلى
تأييد هذا الرأي وذلك لأسباب ذات صلة بمحتوى الإنترنت وافتقار ذلك المحتوى إلى
التنظيم، وهي مسائل لا علاقة لها بالجوانب الفنية. و لئن كانت الإنترنت تحتوي على
قدر كبير من المعلومات الجيدة فإن هذه المعلومات تبقى في أمس الحاجة إلى التنظيم.
وتجعل هذه الخاصية استغلال المعلومات التي تحويها الإنترنت عملية صعبة. وفي
المقابل نجد أن المكتبات تؤكد في القيام بوظائفها على تنظيم المعلومات بغرض تسهيل
الوصول إليها.
ويرى بعض المختصين المواكبين للتطورات التي تحصل في الإنترنت
أنها تضم حجمًا من المعلومات يضاهي ذلك المتوافر بمكتبة الكونجرس. وقد تدفع هذه
الظاهرة البعض إلى الاعتقاد بأن الارتباط بالإنترنت يجعل المعرفة بكاملها بين
أنامل أصابعنا.وفي الواقع، فإن هذا الاعتقاد خاطئ؛ لأن الإنترنت نادرًا ما تتضمن
أوعية معلومات تكون متوافرة في شكل رقمي ومطبوع في الوقت نفسه، فالإنترنت تغطي
أساسًا تلك الأوعية التي تكون متوافرة في شكل إلكتروني. و لما كان السواد الأعظم
من الأوعية غير متوافر في شكل إلكتروني وإنما في نسخ ورقية مطبوعة، فإن حدود تغطية
شبكة الشبكات للإنتاج الفكري الإنساني يبقى محدودًا جدًا. ويزداد الأمر سوءاً خاصة
عندما يتعلق الأمر بالوثائق القديمة التي يبقى تمثيلها ضعيفًا على الإنترنت.
ولما كانت تقنيات مسح الوثائق بغرض جعلها قابلة للقراءة
الإلكترونية لا تزال تمثل عملية مكلفة على مستوى الجهد والوقت والمال، فإن العديد
من المختصين يعتقدون أنه لا يزال يتحتم على المستفيد أن يتعامل مع المعلومات في
شكلها الورقي المطبوع والإلكتروني خلال مدة طويلة.
و من الأوهام الأخرى السائدة في هذا المجال أن المكتبات
الرقمية ستمكن جميع الشرائح الاجتماعية من الوصول العادل إلى المعلومات، وذلك مهما
كان المكان الذي يوجد فيه المستفيد ومهما كان الوقت الذي يرغب فيه الوصول إلى
المعلومات. و سرعان ما يتبدد هذا الوهم عندما نرى أن الوصول إلى المكتبات بدون
جدران يتطلب الاشتراك في خدمة الإنترنت وتوافر الأجهزة اللازمة، وهو ما يقصي تلك
الفئات الاجتماعية التي تفتقر إلى مثل هذه الإمكانات. و لما كان الأمر كذلك فإن
الهوة التي تفصل بين أغنياء المعلومات وفقرائها ستتسع في المستقبل وسيتفاقم الوضع
عندما ينجح الناشرون في تطبيق رسومهم المغالى فيها على استخدام المعلومات الرقمية.
وَهَمٌ آخر بات أيضًا يخيم على أذهان كثير من الناس بما فيهم
مختصو المعلومات أنفسهم مفاده أن إنشاء المكتبات الرقمية أقل تكلفة من إنشاء
المكتبات التقليدية.ولتبديد هذا الوهم يكفي أن نشير إلى أن جزءاً كبيرًا من
ميزانية المكتبات الحالية مخصص للمعلوماتيـة.ويتوقع أن ترتفع تكلفة الأنشطة
المكتبية ذات العلاقة باقتناء الحواسيب وصيانتها والبرمجيات في المستقبل. كما أن
تكلفة حفظ الوثائق الإلكتـرونية ســواء تعلق الأمــر بمقاربة إعادة التحــديث (Refreshing
approach )، أو بالتــرحيل (Migration
approach)، أو المحاكـاة (Emulation approach) ستزيد من التكلفة العامة لاستغلال
المعلوماتية من قبل مؤسسات المعلومات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق