الثلاثاء، 28 أبريل 2015

المكتبات في الحضارة الآشورية
يرجع أصل الشعب الآشوري إلى مزيج من شعوب يغلب عليها العنصر السامي، كانت تقطن شمال بلاد الرافدين. ويرجع تاريخها الحضاري إلى إمبراطورية قديمة قامت بغربي آسيا حول مدينة آشور Ashur الواقعة في أعالي نهر دجلة، حيث اتخذت عاصمتها فيما بعد في "كالاه" ثم "نينوى"،  ففي حوالي منتصف الألف الثالثة ق. م، كان لسكان آشور حضارات مادية لا تكاد تختلف عن حضارة السومريين في الجنوب، ثم فيما بعد، في عصر "أكاد: "Accad، وفي عصر الأسرة الثالثة في أو ر (حوالي 2000 ق. م)، كانت آشور تخضع لهؤلاء الأجانب. وقد شهد القرن الثامن عشر ق. م الفترة الأولى للسيادة الآشورية في عهد شمسي أداد الأول، وقد ظهر الآشوريون في  شخصيتهم الكاملة كإحدى الدول المناضلة على السيادة في منطقة غرب آسيا. وقد صارت إمبراطورية في عهد تجلاب ببلاسر الثالث (745- 727ق. م)، وبلغت شأوا كبيراً في عهد سارجون الثاني Sargon II (722-507 ق. م)، الجد الأكبر لآشور  بانيبال Ashurbanipal668- 626 ق. م، الذي ارتبطت باسمه أعظم مكتبة في الحضارة الآشورية.
تميزت الحضارة الآشورية بنفس الخصائص الحضارية والملامح الفكرية لحضارات المنطقة (السومرية، والبابلية)، ونقلت عنهم أسلوبهم في الكتابة وتسجيل المعارف الفكرية لحضارات المنطقة (السومرية، والبابلية)، ووسائطهم الكتابية، فاستخدموا الكتابة المسمارية، والألواح الطينية، وأدوات النقش والحفر والكتابة المستخدمة في هاتين  الحضارتين.
وكان للآشوريين  في عصر مبكر من تاريخهم مجموعة قوانين، كما كانت لهم بحكم أعمالهم التجارية اتفاقات مدونة. وقد حفظت لنا كتاباتهم المدونة بالخط المسماري على ألواح الصلصال معلومات عن عالمهم القديم بدقة كبيرة قل ما نجد ما يماثلها حتى في حضارات العصور الكلاسيكية (اليونان والرومان). فقد كان ملوكها يهتمون بالأدب ويتعلمونه، وقد بدءوا منذ عصر مبكر في جمع " كتب الفخار المحروق"، كما جمعوا نماذج حيوانية ونباتية (حقيقيات Realia). وتؤكد المكتشفات الأثرية لمقتنيات مكتباتهم مقدار الثراء الأدبي المرموق الذي كان لهم، ليس فقط في مجال المؤلفات الدينية، بل أيضاً في الأساطير والملاحم والكتابات التاريخية، والنصوص النحوية، والتبويب العلمي بها، بل وفي الصناعة أيضا.
يرجع الفضل للسير أو ست هنري ليارد sir A. H. layard             الديبلوماسي الأثري الإنجليزي، لتعرفنا على واحدة من أعظم مكتبات الحضارة الآشورية، وذلك عندما قام بحفرياته عام 1840م في موقع بالقرب من الموصل (نينيوى سابقا)، يسمى "تل كيونجيك"، واكتشف مكتبة تحتوى على الآف من الألواح الطينية.
 ودلت الأبحاث التي أجريت ما بين الأعوام (1845- 1851م)، على أن ليارد  Layard وقع على أهم كشف أثري في مجال التأريخ للمكتبات في الحضارة الآشورية، فقد تبين أنه اكتشفت مكتبة الملك الآشوري آشور بانيبال، وقد توالت نتائج الأبحاث حول المكتبة، وكشفت لنا المزيد من الحقائق عنها.
دلت الأبحاث على أن تاريخ إنشاء مكتبة بانيبال يرجع إلى عهد الملك سارجون الثاني SARGON II (722- 705 ق. م)، الذي وضع أساس مقتنيات هذه المكتبة، وقام برعايتها حتى نهاية حكمه، وقد تولاها من بعده أبناؤه وحفدته، إلا أنها بلغت قمة عظمتها في عهد الملك آشور بانيبال (668- 626 ق. م). الذي لقب نفسه بـ "عناية الحاكم الآشوري المثقف آشور بانيبال ملك العالم، وملك الآشوريين" وقد أطلق على المكتبة نفسها عدة مسميات، ولذا يرد ذكرها في المصادر (بمكتبة نينوى)، "مكتبة آشور بانيبال" "مكتبة القصر الآشوري"، و"مكتبة قصر آشور بانيبال" وقد اختلف العلماء حول مقدار مقتنياتها حيث قال البعض  بأنها (10000) لوحاً طينياً، بينما يؤكد البعض الآخر بأنها (22000) لوحاً طينياً، ويذهب البعض إلى أنها أكثر بكثير من ذلك.
إلا أنه من الثابت أن الملك الآشوري آشور بانيبال قد جمع في هذه المكتبة كل ما وجده في القصور الملكية لأجداده من الملوك السابقين، وأضاف إليها كل ما استطاع جمعه في عصره، وحفظ فيها آلاف الألواح الطينية التي تمثل تراث حضارات ما بين النهرين، وفي جميع فروع المعرفة، وكانت المكتبة مفهرسة ومنظمة بصورة جيدة.
يرجع الفضل لهذا الاكتشاف الأثري في معرفتنا لكثير من التفاصيل حول كيفية ترتيب وفهرسة وتصنيف المكتبات التي كان يطلق عليها اسم "الخوابي الطينية" أي المكان الذي تحفظ فيه الألواح الطينية.
وقد عكست مجموعة الألواح الطينية التي وجدها سير ليارد صورة واضحة عن شئون الحياة اليومية، وخاصة في مجال الأعمال التجارية، والأمور الدينية، وقد تنوعت الموضوعات المتناولة في هذه الألواح الطينية، ما بين معلومات عن كيفية التعاملات التجارية، وإمساك الدفاتر الحسابية، إلى الكتابات المتعلقة بالروايات والأساطير الشعبية، وتلك المتضمنة الأحداث التاريخية، وسير الأبطال والحروب.
وكان يشرف على المكتبات الملحقة بالمعابد والقصور- في ذلك العصر- مسئولون يطلق عليهم" رجال الألواح المكتوبة"، وهو ما يقابل المصطلح الحديث "أمناء المكتبات أو أخصائيو المكتبات "، وتذكر الوثائق أن من أشهر هؤلاء "الرجال" شخص يدعى "أميل آنو: "Amil-Anu وهو بابلي الأصل.
ويحفظ الآن- الجزء الأكبر من مقتنيات مكتبة آشور بانيبال في المتحف البريطاني بلندن.
ويمكن تلخيص أهم خصائص هذه الحضارة في مجال التأريخ للكتاب والمكتبات للحضارات القديمة بالآتي:
1-عظمة مكتباتها وما تحتويه من مقتنيات، حيث تعد مكتبات هذه الحضارة مثالا نموذجيا لمكتبات حضارات ما بين النهرين، سواء من زاوية المقتنيات، أو من زاوية الترتيب والتنظيم.
2-حفظت لنا كتابات هذه الحضارة معلومات دقيقة ومنظمة عن معطيات حضارتهم، قل أن يوجد ما يماثلها في الحضارات الأخرى.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق