الثلاثاء، 28 أبريل 2015

(3) مواد الكتابة في العصور الحديثة
    لا يزال الورق هو مادة الكتابة الرئيسية في العصر الحديث، في مختلف أنحاء العالم. إلا أنه مع نقص خامات صناعة الورق ومع تضخم حجم المواد الورقية التي يتم إنتاجها كل عام، وبالتالي عجز المكتبات عن أن تستوعب ومن ثم تحتفظ بكل ما يظهر إلى الوجود من هذه المواد، اتجه الإنسان للبحث عن مواد أخرى خلاف الورق يمكن أن تحمل أفكاره وتظل صالحة للاستعمال فترات أطول من المواد الورقية، وفي الوقت نفسه لا تتطلب مساحات كبيرة في التخزين والحفظ. وكان له ما أراد عندما توصل إلى اختراع وتصنيع الأقراص السمعية، والأشرطة الفيلمية، وسجل عليها أفكاره، بل وكان ما يتعلق بحياته وحياة الجماعة من حوله. بل وصور عليها الأحداث نفسها وحصل بذلك على شكل جديد من أشكال الكتب، أو بالأحرى أوعية للمعلومات غير تقليدية، تتميز بأنها أكثر فعالية في نقل المعلومات بل وفي الحفاظ على مشاهد من الماضي تبدو عند عرضها وكأنها ما تزال تنبض بالحياة. وفي نفس الوقت اتجه الإنسان إلى تصوير المواد الورقية مصغرة وبدرجات عالية من التصغير. واستطاع بذلك أن يحصل على مصغرات لهذا المواد أصبحت بمثابة البدائل لها، فضلاً عن أنها تتفوق على المواد الورقية في مزايا كثيرة، من أهمها صغر الحجم، ومقاومتها للأحوال الجوية غير المناسبة ناهيك عن طاقتها الاستيعابية الهائلة للمعلومات. لم يقنع الإنسان بذلك واستمر في البحث والتطور حتى توصل بالفعل إلى ما كان يسعى إليه. وذلك عندما نجح في تحميل أفكاره ومعاملاته على وسائط الكترونية: أقراص ممغنطة وأسطوانات مليزرة، وغير ذلك من الوسائط التي تستخدم بمساعدة الحاسبات الآلية.
ثالثاً: أدوات الكتابة
من الطبيعي أن يستخدم الإنسان أدوات للكتابة تكون مناسبة للمواد التي يسجل عليها كتاباته، وذلك من حيث صلابة أو ليونة مادة الكتابة، فالإنسان القديم عندما كان يقوم بالكتابة على الحجر أو الجدران داخل الكهوف وفي المعابد، فإنه كان يستخدم لذلك أدوات صلبة، يستطع بها إحداث النتوآت أو الخربشات التي تظهر كتاباته في الصخور وعلى الجدران.
وعندما استخدم بعد ذلك مواد للكتابة أكثر ليونة كالبردي والرق والورق، فإنه كان يستخدم في كتاباته عليها أقلاماً خاصة مصنوعة من الخشب أو من العظام أو من العاج. وكان يستخدم مع هذه الأقلام الأحبار المختلفة. وفي بعض الأحيان ولأغراض فنية كانت الكتابة تتم باستخدام الفرشاة والأحبار الملونة. كما كانت المسطرة من لوازم الكاتب حيث كانت تستخدم في تسطير الأسطر داخل الصفحات، وكذا تسطير الأعمدة المختلفة في داخل الكتاب، والتي كانت بمثابة الصفحات في الكتب المطوية على هيئة اللفافة.
    وتذكر المصادر أنه في الصين القديمة كانوا يستخدمون للكتابة قلما مصنوعاً من البامبو عندما كان الأمر يتعلق بالكتابة على مادة لينة. وأنهم كانوا يستخدمون قلماً مصنوعاً من المعدن عندما كان الأمر يتعلق بالكتابة على مواد غير لينة، كما أنهم بعد ذلك كانوا يكتبون على الحرير وعلى الورق بفرشاة مصنوعة من وبر الجمال. والواقع أن هذه أدت إلى إلغاء القلم المعدني وقلم البامبو. كما أنه كان لها أثرها الواضح في تغير شكل حروف الكتابة الصينية؛ فقد أصبحت هذه الحروف أكثر استدارة وأكثر جمالاً من ذي قبل.
وكان اليونانيون يكتبون على ألواح الشمع بقلم مصنوع من المعدن يسمى ستيلوس Stylus كما استخدموا أيضاً أقلاماً مصنوعة من العاج أو العظم.
وكانت هذه الأقلام رقيقة من طرفها الأول، وعريضة في طرفها الثاني وذلك لكي تستخدم في تسوية ألواح الشمع.
وفي مصر القديمة، استخدم المصريون للكتابة على البردي قلماً من الغاب، كان يبرى برياً مائلاً، بحيث تسهل الكتابة بها كتابة عريضة أو دقيقة، تبعاً لاختلاف توجيهها. ومع ذلك وفيما يرويه سفنددال "فقد بدئ منذ القرن الثالث قبل الميلاد باستعمال قلم مبري بريا مدببا، وكان يسمى بالقلم Calamus. وكان هذا القلم يسمح بالحصول على كتابة أكثر دقة. وقد صارت هذه الأقلام شائعة الاستعمال منذ ذلك الحين، وكانت المسطرة من لوازم الكاتب شأنها شأن القلم تماماً. كما استخدم المصريون أحبارا مصنوعة من الصناج أو من فحم الخشب المخلوط بالماء والصمغ.
رابعاً: الكتاب
    يُعد الكتاب المرحلة الوسيطة بين نشأة اللغة المكتوبة وقيام المكتبات، ولذا فمن المنطقي أن يبدأ التاريخ للكتاب في فترة زمنية لاحقة للتأريخ للكتابة. فلا وجود لكتاب في مجتمع من المجتمعات أو حضارة قديمة كانت أو حديثة بدون أن يكون هناك أولاً شكل ما من أشكال الكتابة المتطورة، التي تصلح أن تكون وسيلة مناسبة لتسجيل المعرفة وتدوينها. وبالتالي تساعد على إنتاج أوعية المعلومات المتضمنة لهذه المعرفة، وببداية إنتاج هذه الأوعية يبدأ التأريخ للكتاب الذي يُعد واحدا من أهم أوعية المعلومات المتعارف عليها.
تعرض الكتاب كوعاء معرفي وكوسيط للمعلومات خلال تاريخه الموغل في القدم للعديد من التغيرات التي طورت من شكله المادي ومحتواه الموضوعي وبالتالي من المفاهيم التي ارتبطت به. فالكتاب الذي بين أيدينا الآن  ليس وليد الصدفة ولا نتاجاً لفكرة عبقرية لعالمٍ منفرد خرج علينا بها عشية وضحاها، بل يعد المحصلة النهائية للعديد من التجارب الإنسانية المضنية والممارسات الفكرية والتقنية المتميزة خلال حقب زمنية طويلة بذل فيه الإنسان الكثير من الجهد والمال ليحصل على هذه النتيجة.
وقد ارتبط شكل الكتاب في كل عصر ومكان بنوعية المادة التي كانت تستخدم في الكتابة،  وذلك على النحو التالي:
 (1) شكل الكتاب في العصور القديمة:
يحدثنا المؤرخون عن الكتب الخشبية وعن الكتب الحريرية، من ذلك مثلاً ما يذهب إليه سفنددال من أن الكتب الخشبية كانت معروفة لدى الصينيين القدماء عندما كانوا يستخدمون الألواح الخشبية المربوطة إلى بعضها البعض. كما يحدثنا عن الكتب الحريرية والتي عرفها الصينيون القدماء أيضاً بعدما تحولوا إلى استخدام الحرير كمادة للكتابة بدلاً من الألواح الخشبية التي تم حرقها تنفيذاً لأوامر إمبراطورهم تسن شيهو انجتي، وعندما كانوا يحاولون إعادة تحرير النصوص المكتوبة على ما تبقى من الألواح الخشبية بعد الحريق المذكور.
أما الكسندر  فإنه يحدثنا عن شكل آخر للكتاب عرفه الصينيون القدماء، عندما كانوا يستخدمون شرائط البامبو كمادة للكتابة. وكان الكتاب بهذا الشكل يتكون من عدد من الشرائط الطويلة، يحتوي كل شريط منها على عدد من سطور الكتابة التي كانت تكتب عمودياً، وفي رأس الشريط كان يوجد ثقب، بحيث تجمع الشرائط معاً، لتكون بمثابة كتاب. ومن الطبيعي أن يكون الكتاب قد اتخذ نفس الشكل تقريباً عندما كانت العظام تستخدم للكتابة بدلاً من شرائط البامبو.
وكان الكتاب عند الآشوريين يتألف من مجموعة من الألواح الطينية، يصل عددها إلى المئات. ويبين آخر هذه الألواح عدد الألواح التي يشملها الكتاب كله.
بطبيعة الحال، وبعد أن توصل الصينيون لصناعة الورق في أوائل القرن الثاني الميلادي، فإنهم كانوا يستخدمونه في كتاباتهم وأن كتبهم كانت على شكل الكراس. وهو الشكل الذي كان معروفاً لديهم منذ أن كانوا يسجلون كتاباتهم على الألواح، وعلى سيقان بعض النباتات.
ويُحدثنا سفنددال عن الكتاب المصري القديم المصنوع من ورق البردي، فيقول إنه كان على شكل لفافة، وإنه إذا ما أُريد قراءته، كان لابد من نشر أو فرد اللفافة، حتى تظهر الكتابة تدريجياً. ويضيف سفنددال قائلاً "وجرت العادة أن تقسم اللفافة إلى أعمدة من سطور قصيرة جداً. وهكذا كان الكتاب يقسم إلى أقسام تشبه الصفحات، وتظهر للعيان كلما نشرت اللفافة".
والواقع أن سبب ظهور الكتب على شكل لفافات إنما يعود إلى أن البردي كان يتسم بالمرونة، بما يسهل طيه وفرده.
 ونظراً لأن الرق كان هو الآخر يتسم بشيء من المرونة، بحيث يسهل طيه بنفس طريقة ورق البردي، فإننا نجد أن الكتب الأولى المصنوعة من الرق كانت هي الأخرى تظهر على هيئة اللفافة.
وعلى الرغم من أنه لم يتم العثور على لفائف جلدية لليونانيين أ وللرومان، إلا أن هناك أدلة على أنها كانت موجودة لديهم بالفعل. ويقال أن بني إسرائيل استعملوا شكل اللفافة لكتبهم الجلدية. وأنهم ما يزالون يستعملونها في كتاباتهم المقدسة حتى الوقت الحاضر.
ورغم شيوع هذا الشكل للكتاب واعتياد الأقدمون عليه إلا أن استخدامه كان يسبب بعض المشاكل، وخصوصاً إذا كان الأمر يتطلب استخدام الكتاب أو تناوله بكثرة. فقد كان من الضروري فرد الكتاب المطوي، حتى يمكن قراءته. وكانت هذه المسألة صعبة، كما أنها كانت تؤدي إلى تلف سريع بالنسبة للفائف التي تستخدم بكثرة. ولعل ذلك هو الذي مهد للانتقال بشكل الكتاب من اللفافة المطلوبة إلى الكراس.
الوقع أن فكرة الكتاب الكراس لم تغرب عن بال الأقدمين منذ بدءوا الكتابة. وقد سبقت الإشارة إلى الكتب الخشبية عند الصينيين وعند اليونانيين القدماء. حيث كانت تجمع الألواح المكتوبة في مجموعة واحدة وتشكل كتاباً على هيئة الكراس. وكان اليونانيون يطلقون عليها اسم Diptycha. وقد شاع استخدام هذه الكراسات لدى التجار، لتحرير ملاحظات مؤقتة عليها. وبعد انتشار استعمال الرق في صناعة الكتب، حاول الناس استخدامه في قطع مسطحة على شكل الألواح. وبالفعل ظهر هذا الشكل الجديد للكتاب الجلدي في أوائل عهد الإمبراطورية الرومانية. وأطلق عليه اسم Codex أي الكراس.
ويبدو أن المصريين القدماء كانوا قد بدءوا يتحولون بالكتاب من الشكل المطوي إلى الشكل المسطح، وذلك منذ القرن الثاني للميلاد. حيث كانوا يستخدمون ورق البردي على هيئة أفرخ مسطحة، وليس على هيئة لفافة. وذلك لصناعة الكتاب الذي كانوا يغلفونه بغلاف من الجلد. حيث تشير المصادر التاريخية إلى أنه قد تم العثور بالفعل على صفحات من هذه الكراسات التي يرجع تاريخها إلى نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني الميلادي. كما تم العثور في مصر على مخطوطات على شكل الكراس يرجع تاريخها إلى القرون الثاني والثالث والرابع الميلادية. وهذا يدل - على حد قول سفنددال - "على أن شكل الكراس كان قد تغلغل حتى في موطن لفافات البردي". ولكن نظراً لأن هذا الشكل الجديد للكتاب: الكراس، لم يكن يناسب تماماً ورق البردي، فقد كان المصريون يستعملون البردي على شكل لفائف، إلى جانب استعماله على هيئة الكراس.
وظل الحال هكذا طوال القرون الثلاثة الأولى للميلاد. وفي القرن الرابع الميلادي كان مخطوط الجلد على هيئة الكراس هو الغالب بين كتب المصريين. أما في القرن الخامس الميلادي، فقد اختفى الكتاب المطوي كما اختفى البردي أيضاً.
وهكذا فقد شاع شكلان للكتاب في العصور القديمة، وهما:
1-    الشكل المطوي (اللفافة).
2-    الشكل المسطح (الكراس).
وإن كانت خصائص الكتاب من حيث تكوينه وإعداده، جاءت مختلفة، في نطاق كل من هذين الشكلين، وعلى النحو الذى سوف نوضحه عند استعراضنا لخصائص الكتاب عند بعض الشعوب في العصور القديمة.
1- شكل الكتاب في مصر القديمة:
فالكتاب عند المصريين القدماء كان من النوع المطوي كما ذكرنا سابقاً. وكان ورق البردي هو دعامته الأساسية. كما كانت الكتابة تتم على هذا الورق، على وجه الورقة Recteo فقط. على حين يكون ظاهر الورقة Verso خالياً من الكتابة. وعند طي البردي، يصبح الكتاب على شكل اللفافة، ويكون وجه الورق إلى الداخل، وعند قراءة الكتاب، فإن القارئ كان يقوم بفرد اللفافة حتى تظهر الكتابة تدريجياً.
وقد كانت اللفافة تقسم إلى أعمدة من سطور قصيرة جداً. وهذه الأعمدة كانت أشبه بالصفحات في الكتاب الحالي. وكان القارئ كلما قام بفرد اللفافة أكثر، كلما ظهرت له الأعمدة أكثر وأكثر، وأمكنه بالتالي قراءة سطورها. 
2- شكل الكتاب عند اليونانيين
عند اليونانيين القدماء كان الكتاب أيضاً من النوع المطوي. وكان ورق البردي هو دعامته الأساسية. شأنه شأن الكتاب عند المصريين القدماء. وكان الكتاب الواحد يتكون من عدة لفائف: مطوية على شكل اسطوانة قطرها في حدود خمسة سنتيمترات، أما طول الكتاب فكان يتراوح ما بين 6 و7 أمتار.
وهناك حالات نادرة، وجدت فيها كتب بلغ طول الواحد منها عشرة أمتار، أما عرض اللفافة فكان يتراوح ما بين 20 و30 سنتيمتراً.
هذا وكان هناك هو امش للكتاب. وهذه الهوامش كانت كبيرة في المخطوطات الهامة. أما المخطوطات العادية، فكانت هوامشها صغيرة للغاية، وكان الكتاب يقسم إلى أعمدة. كل عمود يتكون من عدد من السطور، وقد جاءت أعداد هذه السطور متفاوتة في الأعمدة المختلفة، وذلك نتيجة لتفاوت المساحة التي كانت تترك بين السطر والسطر الذي يليه في الأعمدة المختلفة. وعلى العموم فقد كان طول الأعمدة في حدود ثلثي من ارتفاع اللفافة.
كما كان من المعتاد في الكتابة أن تستعمل الحروف الكبيرة، عند كتابة المؤلفات الأدبية. ولم يكن الكاتب يترك مسافات بين الكلمات. وهذا جعل قراءة هذه المؤلفات صعبة بدرجة كبيرة. كما جرت العادة أيضاً بتوضيح نهايات الفقرات بعلامات مميزة تسمى باراجرافوس Paragraphos. وهذه العلامات كانت عبارة عن شرطة توضع تحت بداية آخر سطر من الفقرة. وعموما فقد كانت المخطوطات الأدبية موضع عناية كبيرة عند الكتابة. أما غير ذلك من الكتابات العادية والتي تستخدم في الحياة العامة، فقد كانت تكتب كتابة سريعة وغير متقنة.
ولم يكن هناك عنوان للكتاب، إلا في حالات خاصة. في هذه الحالات كانت العناوين تكتب في نهاية نص الكتاب وليس في بدايته. وذلك لكي يكون العنوان في قلب اللفافة حين طيها، وهذا مما يكفل صيانته وحفظه، حتى لو تعرضت اللفافة للتلف بسبب الإهمال في الحفظ أو سوء الاستعمال. وكذلك لم تكن هناك صور توضيحية  كثيرة في كتب اليونانيين القدماء. وأغلب هذه الصور في حالة وجودها كانت عبارة عن صور لمؤلفي الكتب. حيث كان من المعتاد آنذاك أن صورة المؤلف كانت ترسم في الكتاب.
3- شكل الكتاب عند الرومان:
كان الكتاب عند الرومان من النوع المسطح. ويبدو أن انتشار الرق، واستعماله في الكتابة، هو الذي ساعد على ذلك. وقد سبقت الإشارة إلى أن الرومان كانوا قد أطلقوا على هذا الشكل الجديد للكتاب اسم Codex أي الكراس.
وقد كان الكتاب الكراس يتكون من عدة ملازم، تحتوى كل ملزمة منها على عدد من الأوراق. وهو في العادة يتراوح ما بين ورقتين وأربع ورقات في الملزمة الواحدة. كما جرت العادة أن يكون عرض الأوراق الداخلية في الكتاب أقل قليل من عرض الأوراق الخارجية. وربما كان ذلك لإضفاء شيء من الجمال على شكل الكتاب، أو لحماية الأوراق الداخلية بشكل أكبر. أما أحجام الصفحات، فقد كانت تخضع لمعايير محددة. حيث كان عرض الصفحة يبلغ ثلثي الطول غالبا. وكانت الكراسات تنتج بأحجام صغيرة خلال القرون الأربعة الأولى للميلاد. ولكن من القرن الخامس، بدأ إنتاج الكراسات بأحجام كبيرة. كما أن كانت هناك هو امش كبيرة في المخطوطات الفاخرة، أو ذات الأهمية الخاصة. على حين أن المخطوطات العادية، والكتابات اليومية، فكانت تترك بدون هو امش، بمعنى أن الكتابة كانت تشغل الصفحة كلها. كما كانت الهوامش الجانبية في الكراسات أكبر من الهوامش العليا أو السفلى. وربما كان ذلك يقصد حماية الكراس من أية أضرار تؤدي إلى تلفه.
وبالنسبة لإعداد الكتاب المسطح وتكويناته من الداخل، يلاحظ أنه قد اكتسب في ذلك خاصية واحدة من الكتاب المطوي. فعنوان الكتاب كان يوضع في الكراسات الأولى في نهاية النص، رغم عدم وجود مبرر لذلك. ولم يظهر عنوان الكتاب في بداية النص إلا في القرن الخامس الميلادي. وفيما عدا ذلك، يلاحظ أن الكتاب المسطح كانت له خصائص جديدة: منها على سبيل المثال ترقيم الصفحات. وهو ما لم يكن معروفا في الكتب المطوية. إلا أن هذا الترقيم لم يكن ترقيما لصفحات الكتاب، وإنما كان ترقيما للأوراق. فقد كان الترقيم يقتصر على وجه هذه الأوراق فقط. كذلك نلاحظ في الكتاب المسطح وجود الصور وبكثرة، خلافا لما كان متبعاً في الكتب المطوية. كما أن هذه الصور كانت صورا حقيقية، تمثل مناظر مذكورة في الكتاب. كما أنها كانت تضم حليات زخرفية متنوعة.
هناك خاصية أخرى جديدة اكتسبها الكتاب المسطح (الكراس) وهي التجليد. وتذكر المصادر التاريخية أن الكتب الكراسية القديمة كانت تغلف بغلاف من الرق. إذ أنه قد عثر بالفعل على المقابر المصرية على عينات من التجليدات القبطية ترجع إلى القرن السادس الميلادي والتي استعمل فيها الجلد. وتتميز بزخارفها الجميلة التي كانت تأتي على هيئة الورود.
(2) شكل الكتاب في العصور الوسطى
منذ القرون الأولى للميلاد بدأ شكل الكتاب يتغير شيئا فشيئا من الشكل المطوي إلى الشكل المسطح. وقد كان ذلك أول الأمر في مصر، حيث كانت أوراق البردي تستخدم على هيئة أفرخ مسطحة بدلاً من اللفافة المطوية، وذلك في القرن الثاني الميلادي. ثم انتقل هذا الشكل الجديد للكتاب إلى روما في القرن الرابع الميلادي. وإن كان الكتاب هنا لم يعد يكتب على ورق البردي، ولكن على الجلد الذي عرف آنذاك باسم الرق.
وهكذا في العصور الوسطى الباكرة، بدأ الكتاب المسطح ينتشر في مختلف أرجاء العالم. ساعد على ذلك ظهور الرق واستخدامه للكتابة.
ومما ساعد أيضاً على انتشار الكتاب المسطح (الكراس)، ظهور الورق واستخدامه للكتابة على نطاق واسع في بلاد الشرق. ثم دخوله إلى الغرب عن طريق العرب وذلك من خلال الفتوحات الإسلامية في أوربا.
وجدير بالذكر أن الكتاب المخطوط في العصور الوسطى احتفظ بالكثير من خصائصه القديمة، فالعنوان ما يزال يظهر في نهاية النص، ويظهر معه أيضاً المكان الذي تم فيه النسخ، وتاريخ نسخ الكتاب، وأحيانا اسم الشخص الذي قام بنسخ الكتاب.
وكان هناك ترقيم للأوراق في الكتاب، وكان هناك أيضاً عناية كبيرة بعملية الكتابة (النسخ). وأيضاً تزويد الكتاب بالزخارف المختلفة.
(3) شكل الكتاب في العصور الحديثة
ظهرت في العصور الحديثة أشكال جديدة للكتاب. فلم يعد الكتاب، وكما عرفناه من قبل، مجرد مجموعة من الأوراق المطبوعة، والمجموعة في سفر مجلد. ولكن ظهرت إلى جانب ذلك أشكال أخرى للكتاب: أشكال غير تقليدية. وذلك عندما توصل الإنسان إلى أساليب جديدة لتسجيل المعلومات على شرائط بلاستيكية، أو أسلاك مغناطيسية أو اسطوانات مليزرة وأقراص مدمجة. وبحيث أصبحنا في الوقت الحاضر نجد شكلين للكتاب، هما:
1) الشكل التقليدي:
وهو الكتاب الورقي الذي يتخذ نفس الشكل الذي ظهر به الكتاب في العصور الوسطى. وهو على هيئة الكراس الذي يتكون من عدد من الملازم، وله غلاف. وإن كان كتاب عصرنا يتميز بمجموعة من الخصائص أهمها:
-   وجود صفحة العنوان: وهذه تحتوى إلى جانب عنوان الكتاب على معلومات أخرى مثل (اسم المؤلف وتاريخ نشر الكتاب واسم الناشر ومكان النشر). وهذه البيانات لها أهميتها في التعرف على الكتاب ومن ثم الوصول إليه أو الحصول عليه من بين مجموعة الكتب بالمكتبة.
-       الترقيم المسلسل للصفحات وليس للأوراق.
-       ظهور الكتاب مطبوعاً وبدرجة عالية من الدقة والإتقان في طباعة الحروف، وإعداد الرسومات الإيضاحية.
-       التجليدات المتنوعة: وهذه إما أن تكون ورقية، أو بالقماش، أو بالجلد والاهتمام بتزويدها بزخارف متنوعة وجميلة.
2) الشكل غير التقليدي:



وهذا الشكل غير التقليدي للكتاب يتخذ صوراً كثيرة؛ فقد يكون الكتاب محملاً على قرص ممغنط أو اسطوانة مليزرة أو متاح على الإنترنت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق