تاريخ
المكتبات في أوربا في العصور الوسطى
تأخر
ظهور المكتبات في أوربا في العصور الوسطى:
في بداية العصور الوسطي شهدت أوربا سقوط الدولة الرومانية في
القرن السادس الميلادي، وذلك على أثر هجمات القبائل الجرمانية، كما كانت المسيحية
قد انتشرت في أقطار أوربية عديدة، وأصبحت الديانة الرسمية لشعوبها. وكان لهذين
العاملين أثرهما الواضح على تأخر ظهور المكتبات في أوربا الحديثة؛ فالجرمانيون
الغزاة لم يكن لديهم اهتمام كبير بالكتب أو المكتبات، كما أن المسيحيين من أهل
البلاد لم يكونوا يرحبون كثيراً بالكتب غير المسيحية باعتبارها من وجهة نظرهم
كتباً وثنية.
وهكذا وقعت المكتبات الأوربية بين شقي الرحى، مما أدى إلى ضياع
وتلاشي إعدادا كبيرة من المخطوطات التي كانت تمتلكها هذه المكتبات في بداية العصور
الوسطى. أما البقية الباقية من المخطوطات فقد وجدت ملجأ لها في داخل الأديرة
والمؤسسات الدينية المسيحية الجديدة.
وهكذا كان إنشاء وإدارة المكتبات في القرون الأولى من العصر
الوسيط يقوم على عاتق الرهبان بالدرجة
الأولى، وكانت المكتبات توجد في الأغلب في داخل الأديرة، ولم يكن هناك نشاط ملحوظ
لتكوين المكتبات خارج الأديرة؛ وذلك بسبب انتشار الأمية في مختلف البلدان الأوربية،
فقد كان التعليم محدوداً، وأن عدد الذين يقرأون اللاتينية التي لغة التأليف
والكتابة في ذلك الزمان - كان قليلاً، وأن القرون الأولى من تاريخ المسيحية كانت
فترة قلاقل سياسية؛ فقد أغارت القبائل الجرمانية البربرية على إيطاليا ودمرتها، وشن
السكسون والأيرلنديون هجماتهم الهمجية على انجلترا في القرن الخامس فخربوها، ولم
تكد تلتقط أنفاسها في القرن السابع وتظهر فيها مكتبات الأديرة وتجلب لها الكتب من
روما حتى تعرضت للخراب والدمار من جديد على يد الدانمركيين في القرن التاسع
الميلادي.
ويبدو أن الحال قد ظل هكذا حتى القرن التاسع الميلادي. عندما
تمكن أحد الرهبان المعروفين، وهو ألكوين Alcuin
من أن يقنع شارلمان ملك ألمانيا، بأن يهتم بقضية التعليم – تعليم الشعب مما جعل هذا الملك، الذي يقال انه كان يقرأ
بصعوبة ولم يتعلم الكتابة أبدا، جعله يهتم بفتح المدارس في الأديرة والكنائس
الكبيرة. مما ساهم في انتشار التعليم، ومن ثم زيادة الوعي بأهمية الكتب والمكتبات.
فانشأ في قصره أكثر من مكتبة. وحذا حذوه من خلفه على حكم ألمانيا من أمثال
حفيده شارل الأصلع.
أنواع
المكتبات في أوربا في العصور الوسطى:
منذ ذلك الوقت بدأت نوعيات مختلفة من المكتبات في الظهور في
أوربا، ولكنها كانت في الأغلب مكتبات تابعة لمؤسسات دينية. ومن أهم هذه النوعيات:
1) مكتبات الأديرة.
2) مكتبات المجالس الكنسية.
3) مكتبات الباباوات.
4) مكتبات الحكام.
(1) مكتبات
الأديرة:
من أهمها المكتبات التالية:
1)
مكتبة دير فيفا روم:
وتعتبر هذه المكتبة أقدم المكتبات الديرية في أوربا، وكانت
توجد في دير فيفا روم الذي أسسه رجل الدولة والسياسي كاسيودورس في القسطنطينية
حوالي منتصف القرن السادس الميلادي.
وقد تميزت هذه المكتبة
بأنها كانت تحتوي على نسخ من الكتاب المقدس، ومؤلفات الكتاب المسيحيين، بالإضافة
إلى الكثير من مؤلفات الكتاب الوثنيين مثل: شيشرون، وسينكا، وليفي، وتاسيت، وكانت
هذه الكتب توضع في خزائن خاصة بها.
وعن التنظيم الداخلي لهذه المكتبة فتشير المصادر التاريخية إلى
أن المجموعات كانت تنقسم إلى قسمين:
الكتب الدينية المسيحية:كانت توضع في خزائن كل خزينة مرقمة
برقم خاص بها
الكتب غير الدينية: وكانت تنقسم سبع مجموعات حسب التصنيف
القديم الذي كانت تسير عليها المكتبات.
والواقع أن كاسيودورس كان يهدف من إنشاء هذه الكتبة أن يحفظ
التراث القديم، فقد كان على اقتناع بضرورة دمج هذا التراث في العلم الروحي الجديد:
أي العلم المسيحي، وكان يقول دائما "أن هدفنا هو خلق شيء جديد على أن ننقذ
القديم ".
يقول
الفريد هيستيل:
"
كاسيودورس كان حقيقة أول رجل في الغرب يحرص على جمع مجموعة منظمة من المؤلفات
الأدبية الدينية والدنيوية ".
"
بل إن النصوص اليونانية كانت تستقدم من الشرق وتترجم في دير فيفأ روم، وكان
كاسيودورس يعني بأن تكون المخطوطات ذات مظهر خارجي مقبول، ولكن أكبر همه كان يتركز
على صحة النصوص.
2)
مكتبة دير كورفى: korvey
تعتبر
هذه المكتبة من أقدم المكتبات الديرية في ألمانيا، حيث يرجع تاريخها إلى أوائل العصر
الوسيط. ولكنها بلغت أو ج مجدها في أو سط القرن الثاني عشر؛ حيث كانت تحتوي على
مجموعة نادرة من المخطوطات. منها على سبيل المثال: مخطوط مكتوب على الرق من تأليف
المؤرخ الروماني تاسيتوس، بالإضافة إلى مخطوط يضم مجموعة نصوص لشيشرون.
3)
مكتبة دير فولدا: Fulda
وهذه
المكتبة أنشاها الراهب رابان مور Raban Maur المولود بمدينة ماينز حوالي سنة 780م، وصف بأنه
أحد رجالات الكنيسة غير العاديين في القرون الوسطى الأولى. وقد بلغت هذه المكتبة
أو ج عظمتها في فترة حكم رابان مور، والتي استمر لمدة أربعة عقود، فكان رابان مور
قد تولي رئاسة المدرسة أولا، وبعد ذلك أصبح رئيسا للأبرشية. ويقع دير فولدا في مدينة روتنبرج في ألمانيا.
4) مكتبة دير
رشناوReishnaw
تعتبر هذه المكتبة من أهم المكتبات الديرية في ألمانيا وقد
أسسها ريجنبيرت، حيث قام بجمع الكتب لهذه المكتبة، وقد ازدهرت هذه المكتبة في
القرن العاشر الميلادي.
يقول الفريد هيستيل: " كان هنا مركزاً ثالثاً للحياة
الدينية هو دير ريشناو Reishnaw
الذي كان يتبادل المخطوطات على نطاق واسع مع سانت جال المجاور، ولم يكن يتردد في
إمداد موربارخ بالكتب. ومنذ إنشائه جد الرهبان في جميع الكتب له، ولكن عصره الذهبي
لم يظهر إلا في عصر شارلمان. وكان رجنبيرت Reginbert
الذي يطلق عليه أعظم أمين مكتبة في زمانه يعمل هناك، وقام بنفسه بإنتاج النصوص
لمؤلفين دينين وعلمانيين وأشرف على قراءات الطلبة الجادين، وكان يجمع له المخطوطات
من الأماكن القريبة.
5) مكتبة دير سوري Sore
وهذه المكتبة كانت تتبع أحد أديرة الدانمرك وهو دير سوري،
وكانت هذه المكتبة تحتوي على مجموعة رائعة من المخطوطات من أهمها مخطوط لجستنيان وهو
الآن محفوظ في المكتبة بكوبنهاجن.
وهكذا انتشرت المكتبات داخل الأديرة، ولم تكن وظيفتها مجرد حفظ
الكتب وتيسيرها للقراء. وإنما كانت بمثابة مراكز أنشطة لإنتاج الكتب، حيث كانت
تنتج في ورش النسخ الخاصة بذلك، ثم تقوم بتوزيعها على الأديرة المختلفة.
ورغم ذلك فقد كانت المكتبات في أغلب الأديرة فقيرة للغاية في
مقتنياتها من المخطوطات.
هذا وقد تميزت مكتبات عدد قليل من الأديرة وخصوصا في ألمانيا
بكثرة مقتنياتها من المخطوطات. فقد بلغ عدد المقتنيات في بعض هذه المكتبات نحوا من
(600) كتاباً. على حين أن متوسط ما كانت تملكه مكتبة الكنيسة أو الدير في ذلك لم
يكن يتجاوز العشرة كتب. وكانت هذه في العادة هي كتب دينية. هذا، ويعطينا الفريد
هيستيل صورة للطريقة التي كان يتم بها تزويد
مكتبات الأديرة بالكتب حيث يقول:
"وإذا ما أسس دير جديد فإنه كان يتلقى نصيبه الأساس من
الكتب، أو على الأقل القدر الضروري من كتب الطقوس الدينية وغير الدينية. وكانت هذه
الهدايا التي تأتي إليه من مصادر متنوعة، من الدوائر الدينية وغير الدينية. وكانت
هذه الهدايا نتيجة طبيعة لالتقاء المتبرعين عند الصلاة. كما كان الرهبان الجدد
والطلبة الذين يلتحقون بمكتبة الدير يقدمون هداياهم أيضا. كما كان الشراء مصدراً
آخر لتزويد مكتبة الدير بالكتب، وإن كان ذلك يتم في أضيق الحدود نظرا لارتفاع
أثمان المخطوطات بشكل غير عادي ".
"فكثيراً ما كنا نسمع بان مساحات بأكملها من الأرض، أو مزارع
للكروم مثلا، قد دفعت ثمنا لبعض المخطوطات، ولهذا كان من الطبيعي تزويد الدير
بالكتب عن طريق الهدايا الخاصة، وفرض
الضرائب وعوائد تحصل لصالحة بانتظام
".
هذا، وكان تمويل مكتبات الأديرة في الأغلب من الضرائب السنوية،
أو من الهبات والإعانات التي كانت تقدم للدير.
وتشير المصادر التاريخية ان رئيس دير فليرى ماسكاريوس، قد حدد
في عام 1146م ضريبة سنوية
قدرها (280) صولدي ذهب يدفعها أعضاء الدير والجهات التابعة له، وتخصص هذه
للمحافظة على المكتبة وزيادتها، وقد ظل العمل بذلك حتى عام 1562 ميلادية، وكانت
هناك أوامر مشابهة بمبالغ للمكتبات في الأديرة الأخرى. كما أن مكتبة دير كورفي بفرنسا
كان تمويلها يتم من إعانة قررها لها البابا في القرن الثاني عشر وكان المكتبي يحصل
على مرتبة من هذه الإعانة. بينما يخصص المبلغ الباقي لتجليد الكتب.
(2) مكتبات المجالس الكنسية:
خلال القرن التاسع والعاشر. وكانت تنشأ في داخل الكاتدرائيات
حيث كان بكل مجلس مدرسة. ويلحق بهذه المدرسة مكتبة. وكانت هذه المكتبات تفوق
المكتبات الديرية من حيث النظام الداخلي وقيمة محتوياتها الثمينة.
(3) مكتبات الباباوات:
أما بالنسبة للنوع الثالث من المكتبات، وهو مكتبات الباباوات،
فان خير مثال لها هو المكتبة التي أنشئت في أفينون بفرنسا. ويرجع تاريخ هذه
المكتبة إلى القرن الرابع الميلادي، عندما قام البابا داماس الأول ببناء كنيسة
القديس لورانس، وخصص قرب هذه الكنيسة بناء كمركز للوثائق البابوية، حيث كانت الكتب
تحفظ هناك أيضا. ويقال إن هذه المكتبة نقلت في عهد البابا جريجور الكبير (590 –
604ميلادية) إلى لاتيران، وإنها تعرضت للتدمير عدة مرات. ولكنها كانت تبنى فتعود إلى
الوجود من جديد في كل مرة، كما أن هذه المكتبة ازدهرت في القرن الثاني عشر الميلادي في عهد البابا يونيفاتيوس،
ولكنها تعرضت أيضاً للتدمير، وأخيراً جددها البابا يوحنا الثاني والعشرون في أفينون.
وكانوا البابوات الذين تعرضوا للنفي قد انتقلوا إلى هذه المدينة واتخذوها مقراً
لهم. وهناك كانت الهدايا من الكتب تقدم
إليهم، وفي الوقت نفسه كانوا يقومون بالاستيلاء على كتب رجال الكنيسة بعد وفاتهم. وبهذا
استطاع الباباوات إن يؤسسوا هذه المكتبة في أفينون.
ويقال إن الباباوات لدى عودتهم إلى روما لم يحملوا معهم كتبهم.
وإنما تركوا الجزء الأعظم منها. حيث تم ضم جزء منها إلى المكتبة الأهلية بباريس. كما
تم ضم جزء منها آخر إلى أسرة بور حيزي. وبعد ذلك اشتراها منها الفاتيكان، حيث دخلت
ضمن مجموعات مكتبة الفاتيكان المعروفة في روما.
(4)
مكتبات الحكام:
إما
بالنسبة للنوع الرابع من المكتبات وهو مكتبات الحكام، فقد عرف في ألمانيا في فترة
حكم شارلمان (القرن الثامن الميلادي)، وكانت هذه المكتبات تنشأ في القصور، إما
لخدمة رجال البلاط، أو لكي تكون بمثابة مكتبات خاصة بالحاكم، ومن أهم الأمثلة على
هذه المكتبات المكتبة التي أنشاها شارلمان في قصره. وكانت تعرف بمكتبة القصر، وقد
أنشأها شارلمان في قصره، ووضع فيها عدداً كبيراً من النسخ، بالإضافة إلى العلماء
الذين كانوا يقومون بتحقيق المخطوطات ثم نسخها، بل وكان شارلمان يطلب من العلماء أن
يأتوا إلى قصره ومعهم المخطوطات من بلادهم، ولعل يول الشماس كان أنشط العلماء في
هذه الناحية حيث أتى بالكثير من أثار الكلاسيكيين ولم تكن هذه المكتبة تهتم
فقط بتحقيق، وإنتاج، وحفظ النصوص، وإنما
كانت بمثابة مركز لحركة المخطوطات، حيث كان من بين خدماتها خدمة الإطلاع على
المخطوطات لكل من يرغب في ذلك.
وبصفة
عامة، فقد كانت مكتبات تلك الفترة من العصور الوسطي المتقدمة مؤسسات متواضعة من
حيث مقتنياتها من المخطوطات، بل إن هذه المخطوطات كانت ملكا للأديرة والكنائس، ومن
ثم فلم تكن هناك حاجة إلى إقامة أبنية ضخمة أو فخمة لهذه المكتبات، يضاف إلى ذلك أن
هذه المكتبات كانت توجه خدماتها إلى الرهبان بالدرجة الأولى، وهذا هو السبب في
أنها كانت تنشأ دائما في داخل الأديرة أو في كنف المؤسسات الدينية المختلفة.
خصائص المكتبات الأوربية في العصور
الوسطى:
يقول الفريد هيستيل: " وكان مما يميز مكتبة العصور الوسطي
عن مكتبات العصر القديم ومكتبات العصر الحديث، هو ضآلة الموجود بها من الكتب، فلم
تكن فهارسها لتحتوي على أكثر من عدة مئات قليلة من المداخل.
ومما تجدر ملاحظته في هذا المجال، أنه ربما احتوى مجلد واحد
على عدة كتب مختلفة.
وكانت الموضوعات التي تمثلها هذه الكتب عبارة عن الكتابات
المسيحية والمخلفات القليلة من العصور القديمة، بالإضافة إلى ما استحدث من مؤلفات
دينية وعلمانية في الفترة ما بين القرن التاسع إلى القرن الثاني عشر الميلاديين.
ويقول الكسندر
ستيبتشفيتش: "بعد أن فقد الكتاب خلال العصر الوسيط دوره من عدة جوانب كأداة
لنقل المعلومات، كان من الطبيعي أيضاً أن تفتقد المكتبات دورها الاجتماعي، وهكذا
عوضاً عن أن تكون المكتبات كما كانت في العصر الروماني في بيزنطة والعالم العربي مكانا يلتقي فيه الناس
المتعلمون والمهتمون بالعمل العلمي والارتقاء في مجال اختصاصاتهم، فقد أصبحت
المكتبات الآن مستودعات للمخطوطات الغالية المخصصة لدائرة ضيقة جداً من النخبة،
وبعبارة أخرى لم تعد المكتبات مؤسسات مفتوحة وعامة، وهي الحالة التي استمرت حتى
القرن الخامس عشر الميلادي، وحتى في الحالات
التي كان يسمح فيها أصحاب المكتبات (الأديرة، الكنائس، الحكام، هواة جمع
الكتب الأغنياء) بالاستفادة من الكتب التي كانت توجد فيها، فان هذه الاستفادة كانت
تقتصر على عدد محدود من الأصدقاء، والرهبان من الأديرة الأخرى والناس المتعلمين
وغيرهم. ولكن لم يكن في الإمكان أن يدخل المكتبة كل من يريد، وفي الواقع فقد كان
الوصول إلى كتاب ما في بداية ومنتصف العصر الوسيط يعتبر صعبا للإنسان العادي
ومستحيلا لأكثرية الناس، كان وجود أكثرية المكتبات في الأديرة المنعزلة، البعيدة
غالبا عن طرق المواصلات يساهم في حد ذاته في إبعاد هذه المكتبات عن المشاركة الأنشطة
في الحياة الثقافية وهكذا بقي الكتاب طيلة الفترة التي كانت فيها الأديرة المراكز
الرئيسة للثقافة والكتابة والمنتجة الرئيسية للكتاب، يجد بصعوبة بالغة دوره إلى دائرة
أو سع من القراء.
إن فكرة المكتبة كمؤسسة هامة، بقيت مجهولة حتى القرن الرابع
عشر الميلادي".
كانت وظيفة الجمع والحفظ هي الوظيفة الرئيسية أو الغاية الأساس
التي تسعى كل مكتبة إلى تحقيقها. وكانت الكتب تربط إلى خزاناتها بالسلاسل، بل إنه
كان يبدوأن هذا الإجراء كان شائعا ومرغوبا فيه في المكتبات الفرنسية في خلال
القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين. ففي عام 1271م ترك جيرار أحد أصدقاء روبرت
دي سوربون ثلاثمائة كتاب لصديقه المذكور ومن أجل حمايتها فإن جيرار هذا كتب في
وصيته أن هذه الكتب لابد أنه تقيد بالسلاسل.
وأيضا في عام 1313م ترك ريموند لولr. lull نسخا من مؤلفاته
للجمعية الخيرية الكبرى في باريس، واشترط أن يتم ربطها بالسلاسل أجل أن يستخدمها
الجميع الذين يرغبون في ذلك وبدون أن نتعرض للخطر أو السرقة".
كان أمين المكتبة آنذاك يحرص كل الحرص على أن تكون كتبه بعيدة،
بقدر الإمكان عن أيدي الناس، وحتى يمكنه فيما بعد أن يقوم بتسليمها لمن يأتي بعده
للعمل في المكتبة دون أن تتمزق الكتب أو يصيبها التلف بسبب كثرة الاستعمال، ولقد
كان لأمين المكتبة عذره في ذلك فقد كانت الكتب في تلك الفترة غالية الثمن صعبة
المنال.
لم تكن المكتبات تبذل أية جهود لتشجيع الناس على استخدام الكتب
بل إنها كانت تضع القيود حول هذا الاستخدام، فلم يكن يسمح بارتياد المكتبات في
أيام معينة من الأسبوع وكانت المكتبات
تشترط أحيانا أن لا تقل سن العميل عن 21 عاما. أو أن يكون ارتياده للمكتبة بقصد
الإطلاع وحسب مع عدم جواز القراءة بقصد اجتياز لامتحان معين.
لم تكن المكتبات تهتم بتنظيم مقتنياتها من المخطوطات، بطريقة
تجعلها ميسورة للمستفيدين، وكانت طرق التنظيم تختلف من مكتبة إلى أخرى. فكل مكتبة
من المكتبات كانت لها طريقتها الخاصة في ترتيب الكتب، وفي تحديد مواضعها على
الرفوف،وكذلك كانت لكل مكتبة إجراءاتها الخاصة وكذلك طريقتها في إعداد سجلاتها.
كانت خدمات المكتبات قاصرة على الأقلية الفكرية من المواطنين
الذين كانت لهم معرفة بالكتب ويستطيعون بالتالي أن يحددوا ما يحتاجون إليه منها وبسبب
معرفتهم هذه الكتب فقد كانوا يحتاجون إلى أقل القليل من الإرشاد أو المساعدة
الشخصية من جانب أمين المكتبة.
وهكذا ساءت حال المكتبات في تلك الفترة من العصور الوسطى، وقد
امتدت حركة الاضمحلال في كيان المكتبات إلى نشاط الأديرة في ميدان إنتاج وحفظ
الكتب حتى أن دير سان إمرام بمدينة راتزون والذي كان له نشاط ملحوظ في مجال إنتاج
الكتب لم يعد له في أو اسط القرن الرابع عشر إلا نصف كتبه فقط التي كان يمتلكها في
القرن العاشر كما هبط سنوي دير مورباخ بدرجة كبيرة في القرن الثالث عشر إلى حد أن
رهبانه لم يعودا يعرفون الكتابة نفسها.
خصائص المكتبات في أوربا في العصور
الوسطى:
رغم أن المكتبات في هذه الفترة المتقدمة من العصور الوسطى
تتشابه مع مكتبات العصور القديمة في أنها كانت تنشأ في المعابد أو تلحق بها. ورغم
أن العاملين بها كانوا من رجال الدين، إلا أن مكتبات هذه الفترة من العصور الوسطى
تنفرد بمجموعة من الخصائص، تميزها عن مكتبات العصور القديمة، سواء فيما يتصل
بمجموعات المكتبة من المخطوطات أو بالتنظيم الداخلي للمكتبة وبطريقة حفظ المجموعات
أو بالقواعد الخاصة بالإعارة من المكتبة.
وفيما يلي عرض لبعض هذه الخصائص.
أولاً: التزويد
كانت مجموعات المكتبة في أي دير جديد تأتي من الأبرشية الأم،
وتودع في الدير لتكون النواة الأساسية للمكتبة. وكانت عادة عبارة عن مجموعة من
المخطوطات وكتب الطقوس الدينية. وبعد ذلك تنمو المكتبة في كل من الأديرة بعدة طرق
بعدة طرق منها:
1) الإهداء:
وقد كان المصدر
الرئيسي لتنمية مجموعات المكتبات في الأديرة في تلك الفترة حيث كانت الهدايا من
المخطوطات تأتي إلى الدير من الرهبان الجدد، وكذلك أيضاً من الرهبان الشبان الذين
كانوا يلتحقون بمدرسة الدير. وكان هؤلاء جميعا يقدمون هداياهم إلى المكتبة عن طيب
خاطر أملاً في الثواب، وكانوا يقومون بوضع علامات على الكتب تدل على اسم الشخص
الذي قام بإهدائها.
2) الشراء:
كان شراء المخطوطات يتم في أضيق الحدود، وذلك بسبب ارتفاع
أثمان المخطوطات في ذلك الوقت.
3) التبادل:
كان التبادل يتم بين الأديرة المختلفة وذلك للنسخ المكررة من
المخطوطات في المكتبات. وكانت هذه الطريقة تتوقف في أهميتها ودرجة الاعتماد عليها
على نشاط المناسخ في إنتاج النسخ التي يمكن تبادلها مع الأديرة الأخرى.
4) النسخ:
فقد كانت المناسخ الملحقة بالأديرة تقوم بإعداد النسخ للمحفوظات
وكانت النسخ تمثل مصدراً هاماً لتنمية مجموعات المكتبات في تلك الفترة. حيث كان
الرهبان العاملون في المناسخ وكذلك أيضاً المتطوعون
للعمل بها يقومون بنسخ المخطوطات لإيداعها في المكتبة أملاً في الثواب.
ثانيا: حفظ المجموعات
كانت المخطوطات في مكتبات
تلك الفترة تحفظ في مكان آمن داخل الدير مثل حجرة المقدسات، وغالبا ما كانت هذه
المخطوطات تحفظ مع الأوراق الرسمية والمستندات الهامة وذلك داخل دولاب خاص أو أكثر
إما في داخل الجدران، أو موضوعة بحذاء الجدران كما كان الحال في المكتبة القديمة،
وعندما تكون المجموعات كبيرة الحجم، فإنها كانت تحفظ في مكان خاص بها، وكان مبنى
المكتبة في ذلك الوقت يشبه إلى حد كبير حجرة المقدسات.
اتخذت المكتبات تدابير
كثيرة لضمان سلامة مجموعاتها من السرقة أو
التلف منها:
1) ما يعرف بلعنة الكتب، وهذه كانت عبارة عن كلمات قليلة تكتب
على المخطوطات تهدد السارق بالعقاب الشديد.
2) تكليف حارس بالمحافظة على الكتب. وغالبا ما كان هذا الحارس
يقوم بهذه المهمة إلى جانب وظيفته الأساسية وهي الترتيل في الكنيسة.
3) ربط الكتب إلى خزانتها
بسلاسل من حديد. وهذا الإجراء قد أصبح أكثر شيوعا في العصور الوسطى المتأخرة وربما
في فرنسا خاصةً.
ثالثا: القواعد المنظمة للإعارة
وضعت القواعد الخاصة بالإعارة من المكتبات، وكانت هذه القواعد تتسم
بالشدة والدقة، وكانت تقضي بأن يسمح بالإعارة للعاملين بالدير، ولغيرهم أيضا،
وكانت القواعد تقضي بأن يجتمع أعضاء الأبرشية في يوم محدد من أيام السنة وينادى
على من استعار كتبا من المكتبة في العام الماضي ليقوم بإرجاعها إلى المكتبة. بعد
ذلك تبدأ إجراءات إعارة الكتب للسنة الجديدة.
كان المستعيرون من العاملين بالدير أو من الخارج، وفي الحالة
الأولى فان أمين المكتبة كان يكلف بالاحتفاظ بأسمائهم وأسماء الكتب المعارة لهم. وإذا
كان المستعيرون من خارج الدير فقد كانت التعليمات تقضي بأن يقدم المستعير إيصالا
أو رهنا أو ضمانا لرد ما استعاره من كتب.
ورغم صرامة هذه القواعد إلا أنها لم تمنع ضياع بعض الكتب، أو
إساءة استعمال بعضها الآخر. مما جعل المسئولين عن الأديرة يقومون بعد ذلك بتعديل
هذه القواعد، بحيث تمنع الإعارة الخارجية تماماً.
وضعت أيضاً القواعد الخاصة بمهام أمين المكتبة. فإلى جانب
أعمال الإعارة والإرجاع. كان أمين المكتبة يقوم بتصنيف الكتب وتنظيمها في أماكنها
داخل المكتبة، كما كان يقوم بجردها أيضاً.
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذف