الثلاثاء، 28 أبريل 2015

المكتبات في الحضارة السومرية
بين بادية الشام ومرتفعات إيران منخفض صحراوي يعبره نهرا دجلة والفرات، فيحولانه إلى سهل خصيب، وهو ما يُعرف اليوم بالعراق، شهد واحدة من أقدم حضارات العالم، عُرفت عبر التاريخ بالحضارة السومرية، التي أنشأها السومريون في الطرف الجنوبي من هذه المنطقة.
وقد حل السومريون في الجنوب عند مصب نهري دجلة والفرات حوالي سنة 3200 ق. م. وهناك أسسوا حضارتهم العظيمة، وكانوا يطلقون على بلدهم اسم سومر.
احتاج السومريون إلى تدوين أفكارهم، وضعوا أسس كتابة أخذها عنهم الأشوريون والبابليون وطوروها فأضحت أيسر استخداما وعُرفت باسم الكتابة المسمارية.
يرجع تاريخ الكتابة المسمارية إلى نهاية الألف الرابع قبل الميلاد، وكانت تكتب بالطريقة التصويرية، التي يكتفي فيها برسم صورة تُعبر عن شيء معروف، وتصوره على وجه التقريب.
وقد بدأت الكتابة لدى السومريين من اليمين إلى اليسار كاللغة العربية، ومن أعلى إلى أسفل كاللغة الصينية، ولكن لحقها التطور وبدأت تُكتب من اليسار إلى اليمين كما في اللغات الأوربية. وقد أطلق على هذه الكتابة اسم Cuneiforme وتعني الشكل الوتدي أو الإسفيني. وقد أطلق عليها هذا الاسم بسبب أن هذه اللغة تكتب باستخدام أداة تصنع عادة من المعدن، أو الخشب، أو العاج، وتأخذ الشكل المثلث، كما أن حروف هذه اللغة تأخذ شكلا مقارباً للأداة المستخدمة لكتابتها، فتبدوا على شكل أسافين أو أوتاد. وقد سميت بالعربية الخط المسماري، أو الكتابة المسمارية، لنفس الأسباب السابقة.
استخدم السومريون الألواح الطينية  Clay Tabletوسيط رئيسي للكتابة، تتم الكتابة عليه باستخدام أداة  تأخذ شكل الإسفين أو الوتد تصنع من مواد مختلفة من المعدن، والخشب، وبعض أنواع العاج، وبعد الكتابة يترك لوح الطين النيئ Soft clay حتى يجف، وفي وقت لاحق  تم الاستعانة بأسلوب الحرق، حيث توضع الألواح الطينية بعد كتابتها في أفران وتجفف بالنار لتكتسب الصلابة، وسُمى ذلك بالفخار المحروق Fired ware وتُعد هذه الأشكال النوع الأول من الكتب التي أُنتجت في هذه الحضارة.
وبالرغم من أن الألواح الطينية، كانت ثقيلة الوزن صعبة الحمل كوسيط كتابي، إلا أنها امتازت عل الوسائط الكتابية الأخرى التي استخدمت في عصرها كأوراق البردي، بأنها أكثر تحملاً ومقاومة لعوامل التلف والدمار، ويرجع الفضل لهذا الوسيط الطيني، في تعرفنا على الكثير من ملامح وخصائص المكتبات المنتمية إلى حضارات مابين النهرين.
مجالات الكتابات في الحضارة السومارية:
استخدم السومريون الألواح الطينية لتسجيل معارفهم وإنتاجهم الفكري، وأحداثهم، وتاريخهم، وقد كتبوا في الأدب، إلا أنه كان من الصعب للغاية معرفة نشأة الأدب وتطوره في بلاد الرافدين، فما وجد مكتوباً باللغة المسمارية السومرية، وتمكن الآثاريون من إرجاع أصله إلى الحضارة السومرية، وُجد أيضاً مكتوباً بالكتابة المسمارية الأشورية والبابلية على ألواح الطين، وفي مكتبات ترجع في تاريخها إلى فترة الحضارة السومرية،  أو البابلية، أو الأشورية، مما جعل المهمة جد صعبة أمام الباحثين في إرجاع النصوص الأدبية إلى منشئها الأصلي. ومثالا على ذلك، ما حدث مع ملحمة جلجاميش Gilgamesh Epic، التي وجدت مكتوبة، بلغات الحضارات الثلاث. وهذا يعني أنه ليست ثمة أدب قديم أو أدب حديث، كما هو حاصل في تصنيف الآداب اليوم، فكل الآثار الأدبية لهذا العصر، تداخلت مع بعضها البعض، فكل دولة تأخذ من سابقتها، وكل شعب يأخذ من سلفه، وكل حضارة تأخذ من الأخرى ودائماً دونما تمايز يُذكر، مما يجعلها متقاربة في خصائصها، ويصعب التمييز بينهما.
كتب السومريون أيضاً في الفلك، ووضعوا تقويما قمرياً، وإن افتقد إلى الدقة؛ وعرفوا الحساب ودونوه، وإن كانوا لم يعرفوا الأرقام، ورمزوا إليها بأشكال مسمارية.
وكتبوا في الطب، وقام بذلك كهنتهم، فالكهنة هم أطباء هذه الحضارة. وكتبوا أيضاً في الفلسفة والسياسة، إلا أن أغلب كتاباتهم كانت تتعلق بشئون الدولة، والأمور التجارية. أما أشهر ما خلفوه من تراث، فكان الألواح الطينية التي سجلت عليها (ملحمة جلجاميش: (Gilgamesh Epic والتي قام بتدوينها ونسخها من بعدهم الحضارات اللاحقة في المنطقة (البابليون والأشوريون).
المكتبات في الحضارة السومارية:
تُعد مكتبات الحضارة السومرية من أقدم مكتبات حضارات بلاد ما بين النهرين، وترجع في تاريخها إلى الألف الثالثة قبل الميلاد، ويقدر بعض العلماء عدد مقتنياتها بحوالي مئتي ألف لوح طيني، وإن كان البعض يدعي بأن أعداد مقتنياتها تفوق هذا الرقم بكثير.
وقد كشفت الحفريات التي أجريت في مواقع المدن الأثرية المنتمية إلى الحضارة السومرية عن وجود مجموعات كبيرة من الألواح الطينية، واللوحات الفخارية، التي يعتقد أنها بقايا مكتبات كبيرة وعظيمة  أنشئت في هذه الحضارة.
ومن أهم المكتشفات الأثرية في هذا الصدد ما عثر عليه في مدينة تللو Telloh التي تقع قرب لاغاش، فقد اكتشف الآثاريون مجموعة ضخمة من الألواح الطينية واللوحات الفخارية التي يقدرها البعض بحوالي 30 ألف لوح طيني، يرجح أنها ترجع إلى 1800 ق. م. ويعتقد أنها بقايا مقتنيات واحدة من أقدم مكتبات السومريين.
 وفي مدينة آور OWR. Ur التي تقع على مسافة ست عشرة كيلومترا جنوب الناصرية على نهر الفرات بجنوب العراق، (وكانت إحدى المدن السومرية الكبرى)، أسفرت نتائج الحفريات التي تمت خلال الأعوام 1918/ 1919 العثور على لوحات مكتوبة، وأختام فخارية وعادية، يرجع تاريخها إلى حوالي 3000 سنة ق. م. وتُعد من أقدم المكتشفات التاريخية المتعلقة بتاريخ الكتابة والمكتبات في حضارة السوماريين.
والجدير بالذكر أنه من نتائج هذه الحفرية، تعرفنا على الاسم الذي كان يطلقه السومريون على المكتبات في عصرهم، فقد دلت النقوش أنهم يستخدمون مصطلح "بيت اللوحات" لتسمية الأماكن التي يحتفظون فيها بالألواح الطينية والألواح الفخارية، وقد عثر على نقش يفيد بأن مجموعة لوحات مدينة آور كانت محفوظة في مكان يسمى "بيت اللوحات الكبير". وقد اكتشفت في مدينة آور أيضاً لوحات تحتوي على نصوص قانونية، يؤكد العلماء أسبقيتها في الظهور على تشريعات حمورابي القانونية بحوالي 300 عام.
ولم تكن حفريان مدينة آور، المصدر الوحيد لتعرفنا على مكتبات الحضارة السومرية، فقد قام الآثاريون، باكتشافات مماثلة في مدينة نيبور Nippur، حيث عُثر على أعداد كبيرة من الألواح الطينية، يعتقد أنها مقتنيات مكتبة كبيرة أُنشئت في هذه المدينة.
كما أدت الحفريات من عام 1937 إلى 1946 في منطقة تل عطشانة Tell Atchana الواقع على سهل العميق شرقي نهر العاصي، بين حدود تركيا وسوريا، إلى اكتشاف ألواح طينية مكتوبة باللغة المسمارية السومرية يرجع تاريخها إلى ما بين 2700 و2350 ق. م.
ومن خلال الحفريات التي تمت من عام 1930 إلى 1938، في تل العجول: Tell El Ajjul ويطلق عليه أيضاً تل الخراف) عثر على كمية كبيرة من اللوحات والألواح الطينية مكتوبة باللغة المسمارية، ويرجع تاريخها إلى عهد الحضارة السومرية.
وأهم ما تميزت به هذه الحضارة فيما يتعلق بتاريخ الكتابة والكتب والمكتبات يتلخص في الآتي:
1-تُعد الكتابة المسمارية أعظم إسهامات الحضارة السومرية، فهم أول من ابتدع الكتابة الرمزية وطورها، وحولوها إلى نظام كتابي مقطعي، تطغى عليه السمة الصوتية، وبذلك تعد من أوائل اللغات المتطورة المكتشفة في العالم.
2-كان السومريون أول من استخدم الوسيط الطيني، الذي أطلق عليه الألواح الطينية. وطوروا فيه، حيث انبثق منه ما يسمى بألواح الفخار المحروق المستخدمة في الكتابة. وقد ارتبط هذا الوسيط الكتابي بحضاراتهم، وأخذته عنهم الحضارات الأخرى في المنطقة.
3-يرجع إليهم إنشاء أول شكل من أشكال المكتبات، الذي أطلق عليه "بيت اللوحات".
ظهرت في مصر حضارة من أعرق الحضارات القديمة، إذ يرجع تاريخ تلك الحضارة إلى خمسة آلاف سنة قبل الميلاد. وكان للمصريين تاريخ عريق في مجال الكتاب والكتب والمكتبات. وليس هذا بمستغرب في حضارة كان لها قصب السبق في ميادين المعرفة البشرية، والتي  لا زالت بعض مكتشفاتها العلمية لغزا محيرا لعلماء العصر الحديث، فمنها وصلنا أقدم النصوص المكتوبة، وعليها أقيمت أقدم مكتبات التاريخ.
احتاج الفراعنة إلى تدوين أفكارهم خوفا عليها من الاندثار، فتضيع الفائدة من استمرار المعرفة، ولما كان الفكر في بداياته الأولى مسخراً للدين والعقيدة، بدا طبيعيا أن تتخذ الكتابة صبغة مقدسة، فكانت الكتابات الدينية تكتب باللغة الهيروغليفية، وهي تعني النقش أو الحفر المقدس، وقد ظلت تلك اللغة لغةً لقدماء المصريين في الدولتين القديمة (3200/2240 ق. م) والوسطى (2240/ 1740ق. م).
 ويرجع أقدم نصوصها إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد. واستمر استخدام هذه اللغة إلى الدولة الحديثة (أي حوالي ألفين قبل الميلاد).
ويمكن تقسيم الهيروغليفية إلى فئتين: أيدوجرامية (IDEOGRAMIC) وهي رموز تدل على رسم الكلمات، وفونوجرامية (PHONOGRAMIC) تدل على الأصوات، باستخدام رموز تدل على تعيين المعنى. وقد اتخذت تلك الأخيرة أساسا للأبجدية الهيروغليفية التي بلغ عدد حروفها (700) حرفاً.
يرجع الفضل في معرفة أسرار الكتابة الهيروغليفية إلى اكتشاف حجر رشيد، وهو حجر نقش عليه نصوص هيروغليفية وديموطيقية ويونانية، وكان مفتاح حل لغز الكتابة الهروغليفية، سُمي بحجر رشيد لأنه اكتشف بمدينة رشيد الواقعة على مصب فرع نهر النيل في البحر المتوسط، اكتشفه ضابط فرنسي في 19 يوليو عام 1799م إبان الحملة الفرنسية أثناء حفره لبعض الخنادق الدفاعية، وقد نقش عام 196 ق. م، وهذا الحجر عبارة عن مرسوم ملكي صدر في مدينة منف عام 196 ق. م. وقد أصدره الكهان تخليداً لذكرى بطليموس الخامس، وعليه ثلاث لغات الهيروغليفية والديموطقية (القبطية ويقصد بها اللغة الحديثة لقدماء المصريين) والإغريقية، وكان وقت اكتشافه لغزاً لغوياً لا يُفسر منذ مئات السنين، لأن اللغات الثلاثة كانت وقتها من اللغات الميتة، حتى جاء العالم الفرنسي جيان فرانسوا شامبليون وفسر هذه اللغات بعد مضاهاتها بالنص اليوناني ونصوص هيروغليفية أخرى، وكانت الهيروغليفية اللغة الدينية المقدسة متداولة في المعابد، واللغة الديموطيقية كانت لغة الكتابة الشعبية (العامية المصرية)، واليونانية القديمة كانت لغة الحكام الإغريق، وكان قد ترجم إلى اللغة اليونانية لكي يفهموه. وكان محتوى الكتابة تمجيدا لفرعون مصر وإنجازاته الطيبة للكهنة وشعب مصر، وقد كتبه الكهنة ليقرأه العامة والخاصة من كبار المصريين والطبقة الحاكمة.
وهذا الاكتشاف أدى إلى فك العالم الفرنسي جان فرانسوا شامبليون رموز الهيروغليفية، واستطاع شامبليون فك شفرة الهيروغليفية عام 1822م، لأن النص اليوناني عبارة عن 54 سطراً وسهل القراءة مما جعله يميز أسماء الحكام البطالمة المكتوبة باللغة العامية المصرية، وبهذا الكشف فتح آفاق التعرف على حضارة قدماء المصريين وفك ألغازها.
ويُقال إنه بعد هزيمة الأسطول الفرنسي والقوات الفرنسية في مصر أمام القوات البريطانية حدث نزاع على ملكية الحجر، وحُسم النزاع في النهاية لصالح بريطانيا، وتم نقله إلى لندن حيث ظل محفوظا في المتحف البريطاني إلى وقتنا هذا.
ولكن ذلك لم يمنع "شامبليون" من تصوير الحجر بدقة وتحديد معالمه ونقوشه، وانكب على دراستها، انطلاقا من فرضية آمن بها، وهي أن اللغات الثلاث التي كتب بها الحجر، ما هي إلا نص واحد كتب باللغات الثلاث. وبعد بحث دقيق استمر عدة سنوات صحت نظريته، فنجح في قراءة وترجمة عدة فقرات من النصوص المكتوبة على الحجر عام (1822م). وكانت تلك بداية المحاولات التي قام بها العلماء والآثاريون في جميع أنحاء العالم، حتى تمكنوا من حل رموز الحجر بالكامل. وبذلك فتحوا أمام الباحثين بابا واسعا لدراسة الحضارة المصرية القديمة بعد فك رموز لغتها الأولى المكتوبة " الهيروغليفية". والجدير بالذكر أن نقوش الحجر كانت تتعلق بقرار للكهنة المصريين صدر عام (96) ق. م لشكر بطليموس الرابع (أبيفانس) على إعفائهم من الضرائب.
بالإضافة إلى " الهيروغليفية" التي كانت لغة الكهنة والمثقفين والمكاتبات الرسمية في الدولة، وجدت لغتان عُرفتا باسم (الديموطيقية: Demotique) و(الهيراطيقية: Hieratique) وكانتا من اللغات المكتوبة. وقد وجد العديد من النقوش ولفائف البردي المكتوبة بهذه اللغات، التي يرجع تاريخها إلى أكثر من ألفي عام قبل الميلاد.
مجالات الكتابات في الحضارة الفرعونية:
وقد كتب المصريون القدماء في شتى الموضوعات، وكانت أبرز كتاباتهم في المجال الديني، فكتب الموتى تعد من أشهر الكتابات الدينية في الحضارة الفرعونية.
وكتب الموتى تلك كانت على شكل لفائف من البردي مكتوب عليها مجموعة من التعاويذ السحرية، بدأت كتابتها على قراطيس البردي منذ أيام الأسرة الثامنة عشر واعتقد الفراعنة أن هذه الكتابات تحميهم بعد موتهم من ظلمات القبر وأهو اله،وتتيح لهم رؤية النور، وهي ليست كتاباً بالمفهوم العصري، إنما هي مجموعة من التعاويذ والرقى كانت توضع مع المومياء أو داخل التوابيت، وتصور حساب الميت ووزن أعماله بالقسطاس، وفيها طائفة من الصلوات والتراتيل، تعين حسب اعتقادهم على مواجهة الإله أوزوريس، لكي يستطيع الميت أن يبرئ نفسه أمام الإله، ويكسب الحياة الأبدية.
وكتب قدماء المصريين أيضاً في الأدب، والقصة، والشعر، والملاحم، مثل "نشيد أمون" والأساطير الملحمية القديمة مثل "إيزيس وأوزوريس وقصة سنوهي، وقصة " القائد تحتوت"، وغيرها كثير.
وكتبوا أيضاً في الفلك، وعرفوا التقويم منذ القرن الخامس والعشرين ق. م، وعرفوا الحساب والأعداد والأرقام،
أما الهندسة، فهي أحد العلوم التي برع فيها قدماء المصريين،كما برعوا في الطب الذي قطعوا فيه أشواطا كبيرة، وحققوا فيه تقدما مذهلا، واقترن هذا التمييز مع تفوقهم  في علوم العقاقير والأدوية والكيمياء.
المكتبات بالحضارة الفرعونية:
يرجع بعض المؤرخين قلة معرفتنا بالمكتبات في الحضارة المصرية القديمة إلى أن معظم مقتنياتها تكونت من لفائف البردي، الذي يعتبر وسيطا هشا معرضا للفناء  والتلف بفعل العوامل الطبيعية والبيئية، وهذه الفرضية على صحتها النسبية تتنافى في بعض جوانبها مع نتاج المكتشفات الأثرية، التي أدت إلى اكتشاف الآلاف من أوراق البردي ولفائفه في الحضارة المصرية القديمة، والتي وصلتنا بحالة سليمة وجيدة ومقروءة،  بالرغم من عمرها الذي يقدر بآلاف السنين.
وبالرغم من عدم بوح المكتشفات الأثرية عن الكثير من المكتبات في الحضارة المصرية القديمة، إلا أن المراجع المتأخرة، ذكرت وجود مكتبات في مناطق متفرقة في مصر، يرجع تاريخها إلى العصر الفرعوني، منها ما وجد في تل العمارنة، وهي مدينة أثرية تقع بالقرب من الضفة الشرقية للنيل على بعد حوالي 190 ميلا جنوب القاهرة بناها الملك أمنتحب الرابع حوالي 1396 ق. م، لتكون عاصمة لبلاده، وقد عثر فيها على دور تحتوي على ألواح طينية مكتوبة بالخط المسماري، ولفائف من البردي، مما يدل على أنها كانت مكتبة أو داراً للسجلات والوثائق.
وتلك الآثار التي وجدت في مدينة طيبة عاصمة مصر العليا منذ الأسرة الحادية عشرة و بها أعظم مجموعة أثرية في العالم، إذ وجد بها آثار تدل على وجود دور الوثائق والسجلات من لفائف البردي ترجع إلى حوالي 1200ق. م.
وبالرغم من وجود شواهد أثرية على قيام مكتبات، إلا أن المكتبات ذاتها لم يعد لها أثر؛ فقد عثر على آثار لمكتبات ترجع إلى العصر الفرعوني في مناطق دندرة ويطلق عليها بالهيروغليفية (أيونة- إن نترهـ) وتعني رواق المعبودة أو معبدها، وكانت عاصمة الإقليم السادس من أقاليم الصعيد، وتقع على الضفة الغربية من النيل على بعد 665 كم جنوبي القاهرة.
المكتبات الخاصة بالحضارة الفرعونية:
تدل الدراسات حول تاريخ المكتبات في الحضارة الفرعونية، أن قيام المكتبات الخاصة بالملوك والوزراء والكهنة، سبقت وجود المكتبات الملحقة بالمعابد، حيث أكدت الأبحاث أن عليه القوم في هذه الحضارة كانوا يمتلكون مكتبات يرجع تاريخها إلى ألفي سنة قبل الميلاد، من أمثلتها تلك التي كان يمتلكها الملك "رمسيس الثاني" (توفى عام 1225 ق. م)، والتي تكونت محتوياتها من برديات تتناول الكثير من الموضوعات. وقد عُثر على كتابات تشير إلى وجود هذه المكتبة، وإن لم يعثر على المكتبة نفسها.
كما اكتشفت أيضاً مكتبة فرعونية، أكدت نتائج الدراسات التي أجريت عليها، أنها كانت مكتبة لاثنين من أمناء المكتبة، ينتمون إلى طبقة الكهنة، كما أثبتت الدراسات أنهما كانا أباً وابنة، مما يرجح أن مهنة أمين المكتبة، كانت من المهن المتوارثة في ذلك العصر بين طبقة العاملين في مجال الكهنوت. وقد دلت المكتشفات الأثرية أن من قاموا بأعباء أمانة المكتبات كانوا ينتمون إلى طبقة الكهنة.
كما عرفت أيضاً مكتبات المعابد؛ ففي منطقة هليوبلس Heliopolis  فقد وجد بمعبدها لفائف من البردي، تؤكد أن كهنة معبد هليوبلس، أول من قسموا السنة إلى اثنى عشر شهراً، ثم قسموا الشهر إلى ثلاثين يوما، ثم أضافوا إليها في آخر العام خمسة أيام كي تصبح السنة 365 يوماً، كما عثر بهذا المعبد على لفائف بردي تتناول الموضوعات الأدبية والفلسفية.
وتُعد مكتبة معبد حورس Hours في مدينة "إدفو" واحدة من أشهر المكتبات الدينية في حضارة قدماء المصريين، وقد احتوت هذه المكتبة، التي أُطلق عليها مسمى "بيت البردي"، على لفائف من البردي تتناول موضوعات متعلقة بالفلك، والديانات والصيد، كما وجد بها فهرس منقوش على أحد جدرانها مدون عليه مقتنياتها.
ويمكننا تلخيص ما تميزت به حضارة قدماء المصريين في النقاط التالية:
1-أقدم حضارة في العالم إذ يبلغ تاريخها الحضاري أكثر من سبعة آلاف عام، وهي تتفوق في ذلك على أي حضارة أخرى في العالم.
2-اكتشافها لواحد من أعظم المواد الكتابية في العالم، وأكثرها انتشاراً بين الحضارات، وهو ورق البردي.
3-تميزت الحضارة القديمة بوجود ثلاث لغات مكتوبة ومستخدمة في كتابة إنتاجها الفكري والثقافي، وهذا الشيء لا نجده في حضارة قديمة أخرى.
4-كثرة إنتاجها في مجال الكتابات الدينية، وتميزها بنوعية خاصة في هذا الإنتاج وهي "كتب الموتى".
5-معاصرتها لكل الحضارات القديمة، بدءاً من الحضارة السومرية، ومروراً بالحضارات البابلية والآشورية، والصينية، والهندية، واليونانية ونهايةً بالحضارة الرومانية، مما جعلها تُؤثر- بمستويات مختلفة – على المسار الفكري لهذه الحضارات وتتأثر بها، وهي الخاصية التي انعكست على الثراء الفكري والثقافي في حضارة مصر القديمة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق