الأربعاء، 29 أبريل 2015

تدوين السنة

قراءة وتبسيط دكتور مجدي الجاكي

أ) عناية الصحابة بالأحاديث النبوية
   عني الصحابة بالأحاديث النبوية عناية فائقة، وحرصوا عليها كحرصهم على القرآن، فحفظوها بلفظها وفهموا معناها وعرفوا مقاصدها.
        وقد بلغ من حرصهم على سماع الوحي والسنن أنهم كانوا يتناوبون في هذا، روي البخاري في صحيحه عن عمر قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أميه بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى عليه وسلم، ينزل يوما وأنزل يوما، فإذا أنا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك.
ب) كتابة الأحاديث في العصر النبوي
        لم تكن الأحاديث مدونة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم تدوينا عاما كالقرآن، وذلك لأمرين:
1-   الاعتماد على قوة حفظهم، وعدم توافر أدوات الكتابة بالقدر الكافي
2-   لما ورد من النهي عن كتابة الأحاديث.
  والظاهر أن النهي عن كتابة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم كان خشية أن يلتبس على البعض بالقرآن الكريم، أو أن النهي كان بالنسبة لمن يوثق بحفظه، أما من أمن عليه اللبس بأن كان قارئا كاتبا أو خيف عليه النسيان فلا حرج عليه في الكتابة.
        وعلى هذا يحمل ما ورد من الروايات الثابتة الدالة على الإذن لبعض الصحابة في كتابة الأحاديث؛ ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: " لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كان يكتب وأنا لا أكتب "ومعني هذا وجود بعض التدوين لحديث النبي صلى الله عليه وسلم في حياته
ج)  تدوين الحديث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
        وما أن مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى كثر عدد من كان يكتب الحديث من الصحابة والتابعين. روي عن سعيد بن جبير أنه كان يكون مع ابن عباس رضي الله عنه فيسمع منه الحديث فيكتبه في واسطة الرحل، فإذا نزل نسخه.
د) تدوين أحاديث النبي تدوينا عاما
        واستمر الأمر على ذلك، البعض يكتب الحديث، والبعض لا يكتب معتمدا على ذاكرته وقوة حفظه، إلى أن عهد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، الذي رأى جمع الأحاديث والسنن وتدوينها تدوينا عاما، وذلك خشية أن يضيع منها شيء بموت حافظيها، أو خشية التباس الباطل بالحق، إذ اتسعت رقعة البلاد الإسلامية ودخل الكثير من الناس في الإسلام، وفي هؤلاء المخلص للإسلام وغير المخلص، ووجد بعض المتزندقة الذين كان من أغراضهم الإفساد في الدين والدس فيه ما ليس منه.
        وكانت ولاية هذا الخليفة الراشد على رأس المائة الأولى وبالتحديد سنة 99 من الهجرة، فكتب إلى بعض المبرزين من العلماء في الأمصار وأمرهم بجمع الأحاديث وكتب إلى عماله يأمرهم بذلك.
هـ) نشاط الأئمة في التدوين
        وقد قام العلماء في كل بلد بما ندبوا إليه خير قيام، وأقبلوا على جمع الأحاديث والسنن وتمحيصها، وتمييز صحيحها من سقيمها، وجيدها من زائفها. وبذلك أخذت الحركة العلمية التدوينية في الحديث في الازدهار، وتجرد لهذا العمل الجليل قوم عرفوا بالأمانة والصدق، والتحري والثبت، وجافوا المضاجع، ولازموا الدفاتر والمحابر، وحرصوا على لقاء الشيوخ والأخذ من الأفواه، وسهروا في سبيل ذلك الليالي الطوال، وقطعوا الفياض والقفار، وطوفوا في البلدان والأقاليم، وضربوا مثلا عليا تجعلهم في عداد العلماء الخالدين
        وكان منهج المؤلفين في هذا القرن جمع الأحاديث مختلطة بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين.
        ومما يؤسف له أنه لم يصلنا من مؤلفات هذا القرن إلا موطأ الإمام الجليل مالك، ووصف لبعض المؤلفات الأخرى، أو أجزاء مخطوطة مبعثرة هنا وهناك في المكتبات في الشرق والغرب.       قد كانت الحملات الظالمة التي ابتليت بها بلاد الإسلام كحملات التتار والصليبيين من أسباب ضياع الكثير من تراثنا العلمي المدون.
و) العصر الذهبي لتدوين الحديث (200هـ-300هـ)
        ثم حدثت خطوة أخرى في تدوين الحديث النبوي، وهي إفراد مؤلفات خاصة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك على رأس المائتين.
ظهور المسانيد
        وهؤلاء المؤلفون منهم من ألف في المسانيد، وذلك بأن يجمع المؤلف أحاديث كل صحابي على حدة، من غير تقيد بوحدة الموضوع، فحديث الصلاة بجانب حديث في الزكاة بجانب حديث آخر في البيوع. والمعول عليه عند أصحاب هذا المنهج في التأليف وحده الصحابي.
نظم ترتيب المسانيد
اختلفت نظم ترتيب الصحابة في كتب المسانيد، كما يلي:
1- ترتيب تاريخي
        من أصحاب المسانيد من كان يرتب الصحابة  ترتيباً تاريخيا على حسب السبق في الإسلام، فيبدأ بالعشرة المبشرين بالجنة، ثم أهل بدر، ثم أهل أحد، ثم من أسلم وهاجر بين الحديبية والفتح، ثم من أسلم يوم الفتح، ثم أصاغر الصحابة سننا، ثم النساء الراويات. وخير من يمثل هذا اللون في التأليف في هذا العصر هوالإمام الجليل أحمد بن حنبل في مسنده المشهور.
2- ترتيب هجائي
        ومنهم من رتب الصحابة في مسنده  ترتيباً هجائياً على حروف المعجم، فيبدأ بمن اسمه يبدأ بحرف الألف، ثم الأسماء التي تبدأ بحرف الباء، وهكذا.
    وخير من يمثل هذه الطريقة أبوالقاسم الطبراني في كتابة المعجم الكبير.
     وممن ألف في المسانيد أيضاً إسحاق بن راهوية (ت 238هـ) وعثمان بن أبي شيبه (ت 239هـ) ويعقوب بن أبي شيبه (ت 263) وغيرهم كثيرون.
ظهور الكتب المرتبة على الأبواب الفقهية
        إلى جانب هذه المسانيد، ظهرت الكتب التي تجمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم وترتبها على الأبواب الفقهية، أي أنها ترتبها ترتيباً موضوعياً، فتبدأ مثلا بكتاب الصلاة، ثم الزكاة، ثم الصوم، ثم الحج، ثم البيوع، ثم الرهن وهكذا.
        وأصحاب هذه الطريقة، منهم من تقيد في تأليفه بالأحاديث الصحاح، كالإمامين البخاري ومسلم، ومنهم من لم يتقيد في تأليفه بالصحيح، بل يذكر الصحيح والحسن بل والضعيف أحياناً، مع التنبيه على درجة الحديث أحياناً، ومع عدم التنبيه أحياناً أخرى اعتمادا على ذكر السند  ويمثل هذه الطريقة أصحاب السنن الأربعة، وهم: أبوداود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، والدرامي وغيرهم. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق