عوامل تكوين التراث العربي
هناك مجموعة من
العوامل أدت إلى وجود تراث عربي إسلامي منها:
1- نزول القرآن
الكريم:
لما نزل القرآن
الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم، أخذ صحابته الكرام يتعلمونه، وكانت أول
طريقة هي حفظ القرآن عن ظهر قلب أي حفظه في الصدور، وهذا لا يمنع وجود بعض الصحابة
يعرفون القراءة والكتابة، إلا أنهم كانوا معدودين، من هؤلاء على بن أبي طالب ,وعثمان بن عفان، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت،
ومعاوية بن أبي سفيان وغيرهم. هؤلاء كانوا يطلق عليهم " كتاب الوحي "
لأنهم كانوا يكتبون القرآن الكريم.
بموت النبي صلى الله
عليه وسلم، وبموت الكثير من حفاظ القرآن في حروب الردة، خشي الصحابة على ضياع
القرآن الكريم، فأشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق بجمع القرآن، في البداية
رفض سيدنا أبوبكر الصديق، وقال: كيف أقدم على شئ لم يفعله النبي صلى الله عليه
وسلم، قال سيدنا عمر: فلا زلت به حتى شرح الله صدره لهذا الأمر، وفي النهاية وافق
سيدنا أبوبكر الصديق على جمع القرآن، فقد كان القرآن مكتوبا مفرقا وموزعا في بيوت
الصحابة، فوافق أبوبكر الصديق على جمعه في مصحف وأحد، ولكن من يقوم بهذا الجمع وقد
اشتهر الكثير من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة القرآن من هؤلاء أبوبكر
الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان
وأبان بن سعيد وخالد بن الوليد، وأبي كعب بن كعب وزيد بن ثابت، وثابت بن قيس، وغيرهم من عظماء الصحابة
رضوان الله عليهم أجمعين.
من يقوم من بين هؤلاء بجمع القرآن الكريم؟
وقع الاختيار على زيد
بن ثابت، إلا أنه رفض في بداية الأمر وكان يقول: فوالله لو كلفوني نقل جبل من
الجبال ما كان أثقل على من ذلك. قال عمر: فلا زلت به حتى شرح الله صدره لهذا الأمر
ووافق زيد بن ثابت على جمع القرآن تحقيقا للمصلحة العامة للمسلمين، واستعان في ذلك
بالحفظة المشهود لهم بالإتقان، مثل: على بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وأبي بن
كعب، وأبي هريرة وغيرهم.
وتم جمع القرآن كله
في مصحف وأحد سمي " المصحف الإمام " وظل هذا المصحف في بيت عائشة بنت
أبي بكر الصديق، وفي عهد عثمان بن عفان عندما كثرت الفتوحات الإسلامية ودخل الكثير
في دين الإسلام من غير العرب، خشي عثمان على اختلاف المسلمين على المصحف، فأراد أن
يجمع الأمة كلها على مصحف وأحد، فقام بنسخ المصحف من " المصحف الإمام "
وإرسال نسخة إلى الأمصار.
وبهذا يكون المصحف
الشريف هو أول كتاب عرفه العرب.
2- اهتمام العرب
بالقرآن والسنة:
هذا الاهتمام نتج عنه
وضع الكتب التي توضح الألفاظ الصعبة في القرآن أو الحديث النبوي، فظهرت كتب جديدة
سميت بكتب الغريب، من ذلك:
·
المفردات في غريب القرآن لأبي قاسم
الحسن بن محمد بن الفضل المعروف بالراغب الأصفهاني.
·
الفائق في غريب الحديث والأثر لجار الله
محمد بن عمر المعروف بالزمخشري.
·
النهاية في غريب الحديث والأثر لمحي
الدين المبارك بن محمد المعروف بابن الأثير.
3-
اهتمام العرب باللغة العربية:
هذا الاهتمام نتج عنه
وضع الكتب التي تخدم هذه اللغة، فظهرت المعاجم التي تجمع الصحيح من ألفاظ اللغة
العربية، وخاصة بعد اختلاط العرب بغيرهم من الشعوب في البلدان المفتوحة، من تلك
المعاجم: الصحاح للجوهري، وظهرت المعاجم التي توضح الاستخدامات المتخلفة للألفاظ،
والتي منها أساس البلاغة للزمخشري، وظهرت المعاجم التي توضح دلالات الألفاظ، مثل
القاموس المحيط للفيروز أبادي ولسان العرب لابن منظور، وغيرها.
4- اهتمام العرب
بالسير والأنساب:
فالعربي
بطبيعته يهتم بنسبة وسلاسل الأنساب، وامتد الاهتمام بذلك حتى بعد ظهور الإسلام،
لكن الأمر اختلف اختلافا طفيفا، فأصبحت أهم سيرة عندهم هي سيرة النبي صلى الله
عليه وسلم وبعده سيرة الصحابة والتابعين والفقهاء والعلماء. فظهرت كتب اهتمت بسيرة
النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: السيرة لابن سحق، والسيرة لابن هشام، وظهرت كتب
الطبقات مثل الطبقات الكبرى لابن سعد، وسير أعلام النبلاء للذهبي ومن قبلها ظهرت
الكتب التي اهتمت بسير الصحابة، مثل الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني،
وطبقات الصحابة والتابعين لابن سعد، وأسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير.
فعن
طريق الفتوحات الإسلامية فتح العرب بلادا ذات حضارات مثل مصر والشام والعراق وفارس
والهند وغيرها. لما فتح المسلمون هذه البلاد واختلطوا بشعوبهم وجدوا علوما أخرى
غير علوم القرآن والسنة واللغة العربية،أخذ العرب ينهلون من تلك العلوم ثم افرزوها
كتب ومؤلفات في علوم مختلفة غير العلوم الدينية، فظهرت المؤلفات في الطب والصيدلة
والبناء والمنطق والفلسفة والرياضيات وغيرها.
5-
الانفتاح الحضاري:
بعد
فتح المسلمين لبلاد ذات حضارات وجد العرب أن هذه البلاد ذات ثقافات وعلوم غير التي
يعرفونها فأخذ العرب يترجمون تلك الثقافات وهذه المؤلفات سواء من اللغات الفارسية
أو اليونانية أو غيرهم.
وقد
ساعد على ازدهار حركة الترجمة تشجيع الخلفاء العباسيون لها، من أمثالهم الخليفة
العباسي هارون الرشيد والخليفة العباسي المأمون، فترجمت في عهد الدولة العباسية
مبادئ إقليدس وغيرها من الكتب الأمهات في مجالات الرياضيات والفلسفة والتاريخ
وغيرها.
6-
توافر مواد الكتابة:
فعن
طريق الفتوحات الإسلامية أيضاً فتح العرب بلادا تتوفر فيها مواد الكتابة مثل
البردي في مصر، والمهراق في العراق.
لم
يقف العرب عند حد استيراد هذه المواد من تلك البلدان المفتوحة، وأما فكروا في مواد
أخرى وخاصة بعد الوصول إلى مشارق الصين، حيث كان الصينيون يصنعون ورقا من الحشائش،
تعلم العرب هذه الصناعة وأخذوا يدخلون عليها بعض التحسينات، حتى توصلوا إلى صناعة
القرطاس وهو نوع من الورق يصنع من الكتان والخرق الباليه، والذي تطور فيها بعد إلى
الورق الخراساني.
وكان
الورق الخراساني يصنع أساساً من بلاد خراسان، ثم انتقل إلى سمرقند ثم إلى العراق
ثم إلى القاهرة ثم وصل إلى المغرب العربي وعن طريق جبل طارق انتقل إلى اسبانيا
ومنها إلى أوروبا.
توافر
مواد الكتابة أدى إلى تدوين العلوم وخاصة في عصر الدولة العباسية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق