العرب والبردي
عرف العرب ورق البردي، عندما فتحوا مصر. ويقال أن كتاب القائد العربي: عمرو بن العاص، للخليفة الراشد عمر بن الخطاب في عام 20 للهجرة (641م) كان على ورق البردي. كما أن الخلفاء الأمويين كانوا يستخدمون ورق البردي أيضاً في كتاباتهم. وتذكر المصادر أن الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك عندما كان على فراش الموت، "دعا فأحضر له قرطاسا وكتب عليه العهد".
غير أن الحال تغير في أيام الدولة العباسية. فالخليفة العباسي أبوجعفر المنصور استخدم الرق parchment بدلاً من ورق البردي. وكانت حجته في ذلك أنه لا يضمن أحوال مصر، فقد ينقطع عنه البردي في يوم من الأيام. ولكن البردي ظل يستعمل بواسطة العرب، ورغم ظهور مادة جديدة للكتابة وهي الورق. إلا أن المصريين ظلوا يستخدمونه جنبا إلى جنب مع الورق، حتى منتصف القرن العاشر الميلادي. وظلت صحائف البردي الواردة م مصر تستخدم في غرب الدولة الإسلامية بينما كانت دول الشرق تفضل ورق سمرقند وهو الورق الذي وصل إلى الدولة الإسلامية من جهة الشرق.
10- الرق:
عرفت الجلود كمادة للكتابة منذ أقدم العصور. وظلت تستخدم لهذا الغرض حتى العصور الوسطى. فقد عرفها المصريون القدماء وكانوا يستخدمونها في كتابة وثائق الدولة التي لها أهمية خاصة. ويعود استخدام المصريين للجلود إلى الأسرة الرابعة (2500قبل الميلاد). وإن كان أقدم نموذج للرق المستعمل للكتابة عند المصريين القدماء، يعود إلى الأسرة الثانية عشر (2000- 1800قبل الميلاد). ويقال أن استخدام الرق للكتابة ظل معروفا لدى المصريين بعد ذلك من حين إلى آخر، وحتى أواخر عهد الدولة المصرية.
عرفت الجلود كمادة للكتابة لدى بني إسرائيل. فقد كانوا يكتبون عليها الأسفار المقدسة، نظرا لأهمية هذه النصوص. بينما كانت النصوص الأخرى غير الدينية، تكتب على مواد أخرى خلاف الرق. مثل قطع الفخار وألواح الشمع والبردي وألواح النحاس. كذلك استخدمت الجلود كمادة للكتابة بواسطة الفرس والآشوريين والبابليين والإغريق.
على أنه لم يبدأ بتجهيز الجلد تجهيزاً يجعله أصلح للكتابة إلا في القرن الثالث قبل الميلاد. ويرجع الفضل في ذلك إلى مدينة برجامة أو برجاموس، حيث كانت صناعة الجلود وتجهيزها للكتابة تجري هناك على نطاق واسع، لدرجة أن المادة الجلدية التي تم تصنيعها هناك، وهي الرق، واشتق اسمها: Prochemin من اسم هذه المدينة Pergamum.
وتشير المصادر إلى أن سبب تطور الجلود في برجامة والتوصل إلى الرق كمادة للكتابة، إنما يرجع إلى رغبة ملك برجامة إمينوس الثاني Eumene II في توفير مادة للكتابة بدلاً من ورق البردي الذي امتنعت مصر عن تصديره لأوربا بأمر من حاكم مصر آنذاك بطليموس الخامس، والذي كان يتنافس بشدة مع ملوك برجامة في إنتاج الكتب وإنشاء المكتبات.
وكان الرق يصنع من جلود الضأن والعجول والماعز. وكانت تلك الجلود تنظف أولا. ثم توضع في ماء الجير، حتى تزال ما عليها من المواد الدهنية والشعر. وبعد ذلك تجفف في الشمس. ثم تغطى بمسحوق الطباشير الناعم، وتحك أو تصقل بحجر الطلاء.
هذا وقد عرف نوعان من الجلود المصنعة للكتابة هما:
1- البارشمان:
وكان يصنع من جلد الكباش والنعاج.
2- الرق:
وهو أجود أنواع الجلود، وكان يصنع من جلود عجول البقر حديثي الولادة. ويتميز عن البارشمان بأنه شفاف. ولعل ذلك هو ذلك جعله هو المادة المفضلة للكتابة لدى الرهبان المسيحيين خلال القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين فقد تفوق هؤلاء الرهبان في صناعة الرق. كما تفوقوا أيضاً في تلوينه بألوان مختلفة.
ويتميز الرق عن البردي كمادة للكتابة بمميزات كثيرة. منها:
1- أن الرقوق كانت تستوعب عند الكتابة جملاً ونصوصاً أكبر بكثير من تلك التي تستوعبها لفائف البردي.
2- أنه كان من الممكن الكتابة على الرق من الوجهين.
3- إمكانية كشطه بسهولة. أو محو الكتابة واستخدام الرقوق لكتابات جديدة.
4- عدم ارتباط صناعة الرق بدولة معينة، وكما كان الحال بالنسبة للبردي، مما جعل الرق ميسورا بدرجة كبيرة عن ورق البردي.
5- أن الرقوق كانت أكثر متانة من البردي، مما يجعلها تعيش فترة من الزمن أطول من البردي. وهذا دفع الكثيرين إلى استخدام الرقوق لكتابة الوثائق ذات الأهمية بالنسبة لهم.
ورغم هذه المزايا فإن الرق لم ينتشر انتشاراً واسعا كمادة للكتابة في العالم القديم، وربما كان ذلك راجعا إلى الأسباب التالية:
أ- ارتفاع ثمن الرق بالمقارنة مع البردي.
ب- صعوبة تصنيع الرق ومن ثم صعوبة تداوله.
ج- أن الرق كان أقل مرونة من البردي، كما أنه كان أثقل وزنا من ورق البردي أيضاً.
وعلى كل حال كان البردي مادة الكتابة الأساسية في العصور القديمة وخصوصا في مصر الفرعونية. وعندما ظهر الرق وعرفة العالم كمادة للكتابة، بدأ يشارك البردي هذه المهمة. وظل الرق والبردي يستخدمان جنبا إلى جنب كمادة للكتابة طوال القرون الثلاثة الأولى للميلاد. وفي بداية القرن الرابع الميلادي، ثم بدأ البردي في الاختفاء تدريجياً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق